الدكرورى يكتب عن نبي الله نوح علية السلام ” جزء 3″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
نبي الله نوح علية السلام ” جزء 3″
ونكمل الجزء الثالث مع نبي الله نوح علية السلام، وقد بلغ ماء الأرض الذي تحمل ماء السماء ارتفاعا عظيما، يستغرق الشخص لو أراد قطعه خمسة أشهر حتى يبلغ أعلاه فأغرق الله الكافرين، وظل نبى الله نوح ومن معه فى السفينة نحو ستة أشهر، وفي هذه المدة طافت بهم في الأرضِ كلها لا تستقر حتى أتت الحرم فى مكةَ المكرمة فدارت حوله أسبوعا ثم ذهبت تسير حتى انتهت إلى جبل الجوديِ وهو بأرضِ الموصل في العراقِ فاستقرت عليه، وأمر الله تعالى السماء أن تمسك ماءها والأرض أن تبتلع ما تجمّع عليها وهبط نبى الله نوح عليه السلام ومن معه من السفينة محفوفا بالنصر، بعدما جفت الأرض وأمكن السعى فيها والاستقرار عليها، وعاش نوح والذين ءامنوا معه على الأرضِ وما كان لأحد منهم ذرية بعد ذلك إلا لأولاد نوح عليه السلام.
سام وحام ويافث، فالبشر كلهم اليوم من عرب وفرس وهنود وزنوج وغيرهم من ذريتهم، ويروى أن نبى الله نوح عليه السلام لما حضرته الوفاة قيل له كيف رأيت الدنيا؟ وهو الذي عاش نحو ألف وسبعمائة وثمانين سنة قال” كبيت له بابان دخلت من أحدهما وخرجت من الآخر” فهذا هو رسول من رسل الله الكرام، هو نوح عليه الصلاة السلام، فحياته حياة شاقة مريرة، ومحنته مع قومه محنة شديدة أليمة، فقد أقام بينهم قرونا طويلة، فلم ير إلا آذانا صما وقلوبا غُلفا وعقولا متحجرة، ولقد كانت نفوسهم أيبس من الصخر، وأفئدتهم أقسى من الحديد، لم ينفعهم نصح أو تذكر، ولم يزجرهم وعيد أو تحذير, فكلما أزداد لهم نصحا ازدادوا له عنادا، وكلما ذكرهم بالله زادوا ضلالا وفسادا, فكانوا لا يلتفتون إلى دعوة الناصح لهم ولا يبالون بتحذيره وإنذاره.
وقد مكث تسعمائة وخمسين عاما داعيا ومذكرا وناصحا، وسلك عليه الصلاة والسلام جميع الطرق الحكيمة معهم لإنقاذهم من الكفر والضلال وإبعادهم عن عبادة الأصنام والأوثان، وكانت دعوته لهم ليلا ونهارا، سرا وجهرا، ومع ذلك لم تلن قلوبهم، ولم تتأثر نفوسهم، ولم يقبلوا بالحق أو يؤمنوا بالله ورسوله، ولما يأس نوح عليه السلام من إيمان قومه بعد هذه الفترة الطويلة من الزمن أوحى الله سبحانه وتعالى إلى نوح بأنه لن يؤمن من قومه أحد بعد القلة القليلة من الذين آمنوا به كما قال تعالى ” وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون” وعند ذلك التجأ نوح عليه السلام إلى الله تعالى، بالدعاء على قومه المكذبين بالهلاك والدمار، فاستجاب الله دعاءه فأعلمه بأنه سيهلكهم بالطوفان فلا يبقى منهم أحد.
وأوحى إليه بأن يصنع السفينة ليركب فيها هو وجماعته المؤمنون، ولم يكن لنوح عليه السلام ولا لغيره معرفة بصنع السفن، ولذلك أوحى الله إليها صنعا وعلمه كيف ينبغي أن تكون عليه السفينة كما قال تعالى ” واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون” وأمره تعالى بعدم مراجعته في شانهم لأن عذابه عز وجل إذا جاء لا يرد عن القوم المجرمين، ولعل نوحا عليه السلام قد تدركه رقة عند معاينة العذاب النازل بهم فيرحمهم، وأخذ نوح عليه الصلاة والسلام يصنع السفينة بأمر الله ووحيه، وجعل قومه يمرون عليه فيهزؤون ويسخرون ويقولون له صرت نجارا يا نوح بعد أن كنت نبيا؟ ويقولون ماذا تقصد يا نوح بهذه السفينة؟ وأين الماء الذي سيحملها وهي في البر بعيدا عن البحر؟ وأجابههم عليه السلام بكلمة قوية.
كشفت عما ينتظرهم من ذلة وهوان بما كسبت أيديهم في الدنيا، وما ينتظرون في الآخرة من عذاب مقيم كما ورد في القران الكريم ” قال إن تسخروا منا فانا نسخر منكم كما تسخرون، فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم” والمعنى هو إنا واثقون من مصيركم المحزن ونهايتكم الأليمة، ولسوف ترون بأعينكم وتلمسون بأيديكم من منا الذي سيلحقه الخزي والعار والعذاب والدمار في الدنيا، ثم يحل عليه بعد ذلك عذاب الآخرة وهو العذاب الدائم الأليم، ثم جاء أمر الله تعالى، بإحقاق الحق وإبطال الباطل، ففار التنور، ولعل كلمة التنور وإطلاقها على الأرض من باب التشبيه لها بالفرن على أساس ما يوجد في باطنها من الكتل النارية الملتهبة، والتي نشاهدها عند تصاعد النيران من البراكين والله أعلم.