الدكرورى يكتب عن نبي الله نوح علية السلام ” جزء 1″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
نبي الله نوح علية السلام ” جزء 1″
مع الأنبياء والمرسلين عليهم صلوات الله تعالى وسلامه، وإن فى النظر في سير الماضين لتسلية للنفس وتثبيتا لها وتقوية للقلب وإسعادا له، وعندما ينظر المسلم في تاريخ الأنبياء والصالحين فيرى أنهم قد ابتلوا وأوذوا حتى أتاهم نصر الله تعالى، بعد تمحيصهم وتنقيتهم، فيطمئن قلبه، ويقوى جنانه، ويعلم أنه ليس وحيدا في هذا الطريق، وأن الوصول إلى المقصود دونه قطع المفاوز كما قطعها من قد سبق، ولقد أكثر الله تعالى في القرآن الكريم من القصص تثبيتا لقلب النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وقد أمر الله عز وجل، رسوله صلى الله عليه وسلم، أن يقص القصص ليتفكر فيها كفار قريش، لعلهم أن يتوبوا إلى ربهم ويعودوا إلى رشدهم فقال عز وجل فى كتابه الكريم ” فاقصص القصص لعلهم يتفكرون”
بل لقد أخبر الله تعالى أنه لم يقص عليه جميع قصص الأنبياء فقال تعالى فى كتابه العزيز ” ورسلا قد قصصناهم عليك ورسلا لم نقصصهم عليك ” وإن قصص الأنبياء في القرآن الكريم كثيرة، وكل منها لها فوائدها وأحكامها، وبينهم من طال انتظاره واشتد أذى قومه له، ومنهم من قتل، ومنهم من آمن به قومه في آخر الأمر، ومنهم من لم يؤمن به أحد، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم ” عرضت علي الأمم فرأيت النبي ومعه الرهط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد” فسبحان الله فإن هناك من الأنبياء نبي يبعثه الله في أمة من الأمم لم يؤمن به واحد منهم، ولقد كان أول رسول أرسله الله تعالى إلى أهل الأرض هو نبي الله نوح عليه السلام، وقد لقي من الأذى من قومه ما لقي، وصبر على أذى قومه صبرا عظيما.
يدعو قومه ليخرجهم من الظلمات إلى النور ومن النار إلى الجنة، فلم يلق مجيبا، بل لقي سخرية وتكذيبا، وقد دعاهم إلى توحيد الله، وهذه دعوة الرسل كلهم فقال تعالى ” يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إنى أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ” ولكن من لم يجعل الله له نورا فما له من نور، وقد جادل هؤلاء عن باطلهم، واتهموا نبيهم بالضلال، وأنه ليس له فضل عليهم ولم يتبعه إلا ضعاف القوم، وهكذا كل قوم يقولون لنبيهم، فقال تعالى ” أتواصوا به بل قوم طاغون” ويدعو النبي قومه بالتي هي أحسن، فيردون عليه بالسوء، ويتودد إليهم ويلين معهم، ولكن قلوبهم كالحجارة أو أشد قسوة، وقد لبث نبي الله نوح عليه السلام في دعوة قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، فما استجاب له إلا القليل، وأكثر ما قيل في عدد المؤمنين أنهم ثمانون نفسا.
وكل هذه المدة ولم يؤمن به إلا النزر اليسير، بل إن زوجته وابنه لم يؤمنا به، ولما طال عليه الزمن أخبره الله تعالى أنه لن يؤمن من قومه إلا من قد آمن، وأمره بصنع الفلك، فبدؤوا يمرون عليه ويسخرون منه على هذا العمل، وفي الحديث عن السيدة عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال ” لو رحم الله من قوم نوح أحدا لرحم أم الصبي، لما نبع الماء وصار في السكك خشيت عليه وكانت تحبه حبا شديدا، فخرجت إلى الجبل حتى بلغت ثلثه، فلما بلغها الماء ارتفعت حتى بلغت ثلثيه، فلما بلغها الماء خرجت به حتى استوت على الجبل، فلما بلغ الماء رقبتها رفعته بيديها فغرقا، فلو رحم الله أحدا لرحم أم الصبي” ولما أغرق الله الكفار وانتهى عذابهم قال ” قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم ”
فهذا أثر الإيمان، وتلك عاقبة الكفر، ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون، وإن في قصة نبى الله نوح عليه السلام من العبر والدروس الكثرة والكثير، ومنها هو صبر الداعية على الأذى وتحمل المشاق في تبليغ الدعوة ولو طال به الأمد، فقد قال الله عز وجل” ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما ” وبعد ذلك كله لم يتعب نبى الله نوح أو يمل، إلى أن أخبره الله تعالى أنه لن يؤمن من قومه إلا من قد آمن، فحينئذ دعا على قومه، ومما ينبغي للداعية أن ينظر فيه أن لا ييأس ويقول هؤلاء قوم لا خير فيهم، فيترك دعوتهم، بل يعيد ويبدئ فيهم، فيكثر النصح لهم، فليس هو أول من لم تقبل دعوته، فليأتين بعض الأنبياء يوم القيامة ولم يستجب له أحد، ولا يغضب الداعي والناصح والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر عند عدم الاستجابة له.