الدكرورى يكتب عن نبي الله هود علية السلام ” جزء 10″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
نبي الله هود علية السلام ” جزء 10″
ونكمل الجزء العاشر مع نبي الله هود علية السلام، وقد تضمنت قصة نبى الله هود عليه السلام العديد من العبر والعظات، منها أن الغرور والبطر والتباهي بالقوة وشدة البطش يؤدي إلى أسوأ العواقب، وأوخم النتائج، ذلك أن قوم هود كانوا يتفاخرون بقوتهم، ويتباهون ببطشهم، ويتطاولون بشدة بأسهم “وقالوا من أشد منا قوة” ويقولون لرسولهم وهو ينصح لهم كما جاء فى سورة الشعراء ” سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين” فكانت نتيجة تكبرهم وغرورهم، أن أرسل الله عليهم ريحا صرصرا، عصفت بهم عصفا، وجعلتهم عبرة لمن يعتبر، وأيضا مداومة التذكير بنعم الله على عباده، وبيان أن هذه النعم تزداد بشكر الله تعالى، وتنمو بطاعته، وإن سنة الله تعالى في الكون أن يرسل للبشر كل فترة من الزمن نبيا لهم، ليرشدهم إلى طريق توحيد الله سبحانه.
ويرغبهم في نعيم الله تعالى وعطائه، ويخوفهم من عذابه إن حادوا عن الطريق وكفروا به، لكن الله تعالى سبق في علمه بأن قليلا من الناس سيؤمنون ويلتزمون بنصائح نبيهم ذلك بأن الإنسان في طبعه يغلب عليه الكسل، ويغتر بنفسه وقوته، حيث قال الله تعالى ” منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون ” وكما كانت سنة الله تعالى في إرسال الأنبياء مبشرين ومنذرين، جرت سنته كذلك على إلحاق العذاب الشديد بمن كفر بعد أن يمهلهم الوقت للرجوع والإنابة، وكان قوم عاد من الأقوام التي أرسل إليها نبيا فكفروا به وأنكروا قوله، واغتروا بقوتهم وعمرانهم والنعيم من حولهم، فأهلكهم الله تعالى، وأنهى نسلهم، وكما قال نبى الله هود لقومه” ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ” وإن من المهم للدعاة إلى الله تعالى.
أن يجمعوا في أسلوب دعوتهم بين الترغيب والترهيب، ولا يقتصروا على أحدهما إذ في الاقتصار على أحدهما قد لا تحقق الدعوة الغرض المرجو منها، بل قد تأتي بعكس النتائج المرجوة منها، وإن من أعظم العبر المستفادة من هذه القصة، أن الداعي إلى الله تعالى عندما يخلص في دعوته، ويعتمد على الله سبحانه في تبليغ رسالته، ويغار عليها كما يغار على عرضه أو أشد، فإنه في هذه الحالة سيقف في وجه الطغاة المناوئين للحق كالجبل الراسخ، الذي لا تنال منه ريح عاصف، ولا سيل جارف، بل يقف شامخا برأسه، لا يلوي على أحد يعترض سبيل دعوته، لأنه يأوي إلى ركن شديد، وهكذا الدعاة المخلصين يبلغون رسالة ربهم، ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله، ويغارون عليها، ويدافعون عنها بكل شجاعة وثبات، وبكل عزم وإصرار.
وإن من غرائب مما ذكرته التفاسير حول هذه القصة، أنه جاء في بعض مواضع حديث القرآن الكريم عن نبى الله هود عليه السلام قوله تعالى كما جاء فى سورة الفجر “ألم تر كيف فعل ربك بعاد، إرم ذات العماد” وقد زعم بعض الرواة أن إرم، اسم مدينة، والصواب أن إرم، هو إرم بن سام بن نوح، فقال ابن كثير من زعم أن إرم مدينة، فإنما أخذ ذلك من الإسرائيليات، وليس لذلك أصل أصيل، ولهذا قال تعالى كما جاء فى سورة الفجر ” التي لم يخلق مثلها في البلاد” أي لم يخلق مثل هذه القبيلة في قوتهم وشدتهم وجبروتهم، ولو كان المراد بذلك مدينة، لقال التي لم يُبن مثلها في البلاد، ثم قال ابن كثير وإنما نبهت على ذلك لئلا يغتر بكثير مما ذكره جماعة من المفسرين عند هذه الآية، من ذكر مدينة يقال لها” إرم ذات العماد” مبنية بلبن الذهب والفضة.
قصورها ودورها وبساتينها، وإن حصباءها لآلئ وجواهر، وترابها بنادق المسك، وأنهارها سارحة، وثمارها ساقطة، ودورها لا أنيس بها، وسورها وأبوابها تصفر، ليس بها داع ولا مجيب، وأنها تنتقل فتارة تكون بأرض الشام، وتارة باليمن، وتارة بالعراق، وتارة بغير ذلك من البلاد، فإن هذا كله من خرافات الإسرائيليين، من وضع بعض زنادقتهم، ليختبروا بذلك عقول الجهلة من الناس أن تصدقهم في جميع ذلك، وقد ذكر ابن كثير عن الثعلبي وغيره خبرا، حاصله أن رجلا من الأعراب في زمن معاوية رضي الله عنه ذهب في طلب بعير له شردت، فبينما هو يتيه في ابتغائها، إذ طلع على مدينة عظيمة لها سور وأبواب، فدخلها فوجد فيها قريبا مما ذكرناه من صفات المدينة الذهبية التي تقدم ذكرها، وأنه رجع فأخبر الناس.