الدكرورى يكتب عن نبي الله هود علية السلام ” جزء 9″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
نبي الله هود علية السلام ” جزء 9″
ونكمل الجزء التاسع مع نبي الله هود علية السلام، وقد أفهمهم أن إيمان الناس بالآخرة ضرورة تتصل بعدل الله، مثلما هي ضرورة تتصل بحياة الناس، فقال لهم ما يقوله كل نبي عن يوم القيامة، إن حكمة الخالق المدبر لا تكتمل بمجرد بدء الخلق، ثم انتهاء حياة المخلوقين في هذه الأرض، إن هذه الحياة اختبار، يتم الحساب بعدها، فليست تصرفات الناس في الدنيا واحدة، هناك من يظلم، وهناك من يقتل، وهناك من يعتدي، وكثيرا ما نرى الظالمين يذهبون بغير عقاب، كثيرا ما نرى المعتدين يتمتعون في الحياة بالاحترام والسلطة، أين تذهب شكاة المظلومين؟ وأين يذهب ألم المضطهدين؟ هل يدفن معهم في التراب بعد الموت؟ واستمر قود عاد على عنادهم وتمسكهم بعبادة الأصنام، ومرت الأيام والشهور والسنين، وزادوا استكبارا وعنادا وطغيانا وتكذيبا لنبيهم.
وبدئوا يتهمون نبى الله هود عليه السلام بأنه سفيه مجنون، فقالوا له يوما لقد فهمنا الآن سر جنونك إنك تسب آلهتنا وقد غضبت آلهتنا عليك، وبسبب غضبها صرت مجنونا، ولم يغضب نبي الله هود عليه السلام من أنهم يظنون به الجنون والهذيان، ولكنه توقف عند قولهم ” وما نحن بتاركى آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين ” وبعد هذا التحدي لم يبق لهود إلا التحدي، لم يبق له إلا التوجه إلى الله وحده، لم يبق أمامه إلا إنذار أخير ينطوي على وعيد للمكذبين وتهديدا لهم، فكان نبى الله هود عليه السلام الإيمان بالله، والثقة بوعده، والاطمئنان إلى نصره، يخاطب نبى الله هود عليه السلام الذين كفروا من قومه، وهو يفعل ذلك رغم وحدته وضعفه، لأنه يقف مع الأمن الحقيقي ويبلغ عن الله تعالى وهو في حديثه يفهم قومه أنه أدى الأمانة، وبلغ الرسالة
فإن كفروا فسوف يستخلف الله تعالى قوما غيرهم، سوف يستبدل بهم قوما آخرين، وهذا معناه أن عليهم أن ينتظروا العذاب، وهكذا أعلن نبى الله هود عليه السلام لهم براءته منهم ومن آلهتهم، وتوكل على الله الذي خلقه، وأدرك أن العذاب واقع بمن كفر من قومه، فهذا قانون من قوانين الحياة، يعذب الله الذين كفروا، مهما كانوا أقوياء أو أغنياء أو جبابرة أو عمالقة، فانتظر نبى الله هود عليه السلام، وانتظر قومه وعد الله، وبدأ الجفاف في الأرض، ولم تعد السماء تمطر، وهرع قوم هود إليه، ما هذا الجفاف يا هود؟ فقال هود إن الله غاضب عليكم، ولو آمنتم فسوف يرضى الله عنكم ويرسل المطر فيزيدكم قوة إلى قوتكم، وسخر قوم هود منه وزادوا في العناد والسخرية والكفر، وزاد الجفاف، واصفرت الأشجار الخضراء ومات الزرع، وجاء يوم فإذا سحاب عظيم يملأ السماء.
وفرح قوم هود وخرجوا من بيوتهم يقولون” هذا عارض ممطرنا” وتغير الجو فجأة من الجفاف الشديد والحر إلى البرد الشديد القارس، وبدأت الرياح تهب، وارتعش كل شيء، ارتعشت الأشجار والنباتات والرجال والنساء والخيام، واستمرت الريح ليلة بعد ليلة، ويوما بعد يوم، كل ساعة كانت برودتها تزداد، وبدأ قوم هود يفرون، أسرعوا إلى الخيام واختبئوا داخلها، اشتد هبوب الرياح واقتلعت الخيام، واختبئوا تحت الأغطية، فاشتد هبوب الرياح وتطايرت الأغطية، وكانت الرياح تمزق الملابس وتمزق الجلد وتنفذ من فتحات الجسم وتدمره، ولا تكاد الريح تمس شيئا إلا قتلته ودمرته، وجعلته كالرميم، واستمرت الرياح مسلطة عليهم سبع ليال وثمانية أيام لم تر الدنيا مثلها قط، ثم توقفت الريح بإذن ربها، ولم يعد باقيا ممن كفر من قوم هود إلا ما يبقى من النخل الميت.
مجرد غلاف خارجي لا تكاد تضع يدك عليه حتى يتطاير ذرات في الهواء، وقد نجا نبى الله هود عليه السلام ومن آمن معه، وأهلك الله قوم عاد الذين تجبروا في الأرض وأشركوا بالله، وهذه نهاية عادلة لمن يتحدى الله ويستكبر عن عبادته، وبعد هلاك الكافرين من قومه، لحق النبي هود عليه السلام ومن آمن معه بمكة فلم يزالوا بها حتى ماتوا، وكانت أعمار قوم هود عليه السلام بحدود اربعمائة سنة، وتوفي النبي هود عليه السلام وله من العمر مائة وخمسين سنة، وفد اختلف في موضع قبر نبى الله هود عليه السلام فقيل انه بغار بحضرموت، وقيل أيضا أنه دفن في مكة في حجر اسماعيل عليه السلام أو بالقرب من مكان بئر زمزم، وقد تضمنت قصة نبى الله هود عليه السلام العديد من العبر والعظات، منها أن الغرور والبطر والتباهي بالقوة وشدة البطش يؤدي إلى أسوأ العواقب، وأوخم النتائج.