الدكرورى يكتب عن نبي الله هود علية السلام ” جزء 5″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
نبي الله هود علية السلام ” جزء 5″
ونكمل الجزء الخامس مع نبي الله هود علية السلام، وقد كان قوم عاد أصحاب رقي وعمران وحضارة في البناء ومدنية في الحياة، فمساكنهم آية في الروعة والفن، وقد أشار القرآن الكريم إلى شيء منها في قوله تعالى فى سورة الفجر ” ذات العماد ” أي ذات البناء الرفيع، وزادهم الله تعالى بسطة في النعيم، فكانت أراضيهم جنات وعيونا، فزادت مواشيهم، وفاضت أموالهم، وكثر أبناؤهم فقال الله تعالى فى سورة الشعراء ” أمدكم بأنعام وبنين، وجنات وعيون ” وقدعاش قوم عاد حياة الترف والالتهاء بالدنيا، فكان الواحد يحكم بنيانه ويرفعه ويباهي به، لا لحاجته بل للمفاخرة والتطاول كما قال تعالى فى سورة الشعراء ” اتبنون بكل ريع آية تعبثون ” وتنافسوا أيضا من الإكثار في المساكن والبروج الشاهقة ليخلد في الدنيا ذكرهم، فقال الله تعالى فى سورة الشعراء.
“وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون ” وقابلت هذه الأمة العربية نعم الله بالكفران، وآلاءه بالجحود والنكران، فعبدوا الأوثان، واعتقدوا فيها النفع والضر، فلم تغن عنهم حضارتهم وتقدمهم شيئا وكانت تلك الأمة قد فشا فيهم الظلم، وفيهم طغاة يطاعون من دون الله تعالى، وغرتهم حضارتهم وقوتهم فقالوا من أشد منا قوة، فبعث الله لهم نبيهم هودا عليه السلام، فدعا وذكر ونصح وأشفق عليهم ودعاهم إلى عبادة الله وحده ونبذ الأوثان، وذكرهم نعم الله المتتالية عليهم، وحثهم على الاستغفار والتوبة وأن الرجوع إلى الله يزيدهم خيرا، وبين لهم إنه لا يريد من هذه الدعوة مصلحة أو مالا، وقد آمن مع نبى الله هود من آمن من قومه، والغالب اختاروا طريق الهوى والعناد والإعراض فقابلوا هذه الدعوة الصادقة بمواقف عدة حكاها القران في مواضع متفرقة، فاحتقروا نبيهم.
ورموه بالسفاهة والكذبن واتهموه في عقله، وادعوا انه لم يأتهم بالأدلة المقنعة على دعوته، وصارحوه بالكفر، بل ادعوا أنهم على الحق وهو على الضلال، وقد مكث نبى الله هود عليه السلام ما شاء الله له أن يمكث في قومه، ودارت بينه وبين قومه جلسات حوار ومناظرة، واستخدم معهم وسائل الإقناع وطرائق التأثير، ورغب ورهب، ولان وترفق، حتى مل قومه هذا الحوار وتلك النصائح فقالوا له ” سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين ” وأعلنوها صراحة أن طريق الآباء هو الحق والهدى، وكان عقب الطوفان الذي حدث لقوم نبى الله نوح عليه السلام لم يبقى على الأرض سوى المؤمنون الذين نجاهم الله في السفينة مع نبى الله نوح عليه السلام، وبعد أن توفاه الله نشأت أقوام متعددة ونسوا التوحيد وأشركوا بالله وبدأوا يعودون إلى عبادة الأوثان.
فقد قال أحفاد قوم نبى الله نوح عليه السلام لا نريد أن ننسى آبائنا الذين نجاهم الله من الطوفان، وصنعوا للناجين تماثيل ليذكروهم بها، وتطور هذا التعظيم جيلا بعد جيل، فإذا الأمر ينقلب إلى العبادة، وإذا بالتماثيل تتحول بمكر من الشيطان إلى آلهة وقام الناس بعبادتهم مع الله، وعادت الأرض تشكو من الظلام مرة ثانية، وأرسل الله نبى الله هود عليه السلام إلى قومه، وهم قوم عاد الذين عبدوا الأصنام وأشركوا بالله، ويقول من لا ينطق عن الهوى رسول الله صلي الله عليه وسلم “إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته” وقد أمر الله سماءه فأمسكت وأرضه فأجدبت فعاشت عاد تتشوف غيث السماء وتتحين، فبينما الطغاة والمعاندون وأتباعهم في لهوهم سادرون وفي غيهم لاهون، إذ أذن الله لجند من جنده أن يتحرك، أذن للهواء الساكن أن يضطرب ويهيج ويثور.
فإذا هو يسوق السحاب سوقا، فلما رأوها مقبلة اوديتهم استبشروا وقالوا هذا عارض ممطرنا، وقال الله تعالى فى سورة الأحقاف ” بل هم ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم” أى هى ريح باردة عاتية فقال فيها الله عز وجل كما جاء فى سورة الذاريات ” ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم ” وهى ريح عقيم، قال عنها رب العزة سبحانه وتعالى فى سورة الأحقاف ” تدمر كل شئ بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزى القوم المجرمين ” وسخرها عليهم المنتقم الجبار سبع ليال وثمانية أيام، ومن قوتها أنها كانت تحملهم إلى أعلى، فتتصاعد أجسادهم إلى السماء ثم تنكسهم على رؤوسهم، فتندق أعناقهم، وهذا جزاء المستكبرين في الدنيا تراهم صرعي، فقال الله تعالى فى سورة الحاقة ” سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية، فهل ترى لهم من باقية “