الدكرورى يكتب عن نبي الله هود علية السلام ” جزء 4″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
نبي الله هود علية السلام ” جزء 4″
ونكمل الجزء الرابع مع نبي الله هود علية السلام، ولكن البلاء كان عاما وشاملا إذ حملت الريح رمال الصحراء وقذفتها عليهم، وظلت سبع ليال وثمانية أيام متتاليات حسوما، أي دائمات متتابعات، أصبح القوم بعدها كأنهم أعجاز نخل خاوية، وعفا ظلهم، ودرس رسمهم، وانمحى من التاريخ أمرهم، فقال الله تعالى فى كتابه الكريم فى سورة هود ” وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون ” أما نبى الله هود عليه السلام، فقد آوى إليه صحبه ومن آمن به، وظلوا بمكانهم، تهزم الرياح بصوتها، وتسفي الرمال وهم آمنون مطمئنون حتى هدأت الريح، وصفا الحال ثم انتقل إلى حضرموت، وقضى بها البقية الباقية من عمره، ومما يستفاد من هذه القصة، هو أنهم كانوا نازلين بالأحقاف بين اليمن وعُمان إلى حضرموت، والأحقاف جمع حقف، وهو الرمل المستطيل المرتفع.
وأنهم استعجلوا عذاب الله ولم يؤمنوا به، فعاقبهم الله أشد العقاب، وإن من أهم أهداف ذكر هذه القصة في القرآن الكريم في عدة مواضع هو تحذير كفار مكة الذين لم يؤمنوا برسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أن يحل بهم العذاب على كفرهم وتكذيبهم الرسول صلى الله عليه وسلم، مثل ما حل بعاد قوم هود عليه السلام، ودعوة لهم بأن يستجيبوا للدعوة ويبادروا بالتوبة قبل أن تحل بهم النقمة، وكمال النصح والشفقة من هود عليه السلام على قومه وحسن مجادلتهم بالحكمة والموعظة الحسنة، وهكذا ينبغي لكل داعية ناصح أمين، وقد دلت الآيات على فساد التقليد حين ذمهم بسلوك طريقة آبائهم في الكفر والشرك بالله، وتدل على أن المعارف مكتسبة، وتدل على بطلان كل مذهب لا دليل عليه، وأن الإيمان بالله تعالى سبب نجاة من آمن من قوم هود عليه السلام.
وأن الله عز وجل أهلك المكذبين وهم قوم عاد بريح عاتية، فكانت تحمل الرجل منهم فترفعه في الهواء ثم تنكسه على أم رأسه، فتثلع رأسه حتى تبينه من جثته، وكانوا قوما عمالقة يسمون العماليق، ومع ذلك أهلكهم مع قوتهم وشدتهم بسبب تكذيبهم وكفرهم، وأنهم كانوا يبنون بكل ريع وهو المكان المرتفع أي علامة للعبث واللهو وإظهار القوة، لا للحاجة إليها، فأنكر الله تعالى عليهم على لسان نبيه هود عليه السلام كما في كتاب الله الحكيم فى سورة الشعراء، وكما أنهم بنوا مصانع وقصورا راجين الخلود في الدنيا، وهذه إشارة إلى أن عملهم ذلك لقصر نظرهم على الدنيا، والإعجاب بالآثار، والتباهي بالمشيدات، والغفلة عن أعمال المجدين البصيرين بالعواقب الصالحين المصلحين، وأن محصل القصة أن الله سبحانه أرسل رسوله هوداعليه السلام إلى قومه.
يدعوهم إلى عبادة الله الواحد الصمد، ويطلب منهم نبذ عبادة غيره من الأوثان والآلهة، فاستخف به قومه، وسخروا منه، واستمروا في طغيانهم يعمهون، فعاقبهم الله على موقفهم، بأن أرسل عليهم ريحا قوية، استأصلت شأفتهم، وجعلتهم حصيدا، ونجّا الله هودا والذين معه من المؤمنين، ولقد دعانا القرآن الكريم للنظر والاعتبار في حال الأمم والحضارات التي عاشت حينا من الدهر وسادت، لكنهم لم يسخروا هذه الحضارة في عبودية الله تعالى، فزالت حضارتهم وأصبحوا أثرا بعد عين، وهى قصة من القصص الحق، مليئة بالدروس مشحونة بالعبر، فيها تسلية للمستضعفين ورسالة إنذار للطغاة والمتجبرين، مع خبر أمة لم ير مثلها في الطغيان والعناد والبطش والفساد، ظلموا أنفسهم وعلو في الأرض، وما علموا أن الطغيان مهلكة للديار، مفسدة للأمصار، مسخطة للجبار.
نهايته ومآله خيبة ومذلة فقال الله تعالى فى سورة طه ” وقد خاب من حمل ظلما ” وإنهم قوم عاد الذين تزاهوا بالمال، وتباهوا بالقوة، فأورثهم ذلك طغيانا وكفرا وعنادا وبطران فقال الله تعالى فى سورة الفجر ” ألم تر كيف فعل ربك بعاد، إرم ذات العماد ” وقال السدي، كانوا باليمن بالأحقاف، وهو جبل الرمل، وقد بسط الله سبحانه وتعالى لهذه الأمة قوة في أجسادهم وضخامة في أبدانهم كما قال الله تعالى فى سورة الأعراف ” وزادكم فى الخلق بسطة ” بل لم يخلق الله مثل قوتهم فقال الله تعالى فى سورة الفجر ” التى لم يخلق مثلها فى البلاد ” فكانوا أقوى أهل زمانهم عسكريا واقتصاديا وكانت لهم الخلافة بعد قوم نوح عليه السلام، فقال الله تعالى فى سورة الأعراف ” واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح ” وقد كان قوم عاد أصحاب رقي وعمران وحضارة في البناء ومدنية في الحياة.