الدكرورى يكتب عن نبي الله هود علية السلام ” جزء 3″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
نبي الله هود علية السلام ” جزء 3″
ونكمل الجزء الثالث مع نبي الله هود علية السلام، فقال عليه السلام لهم ما هذه الأحجار؟ التي تنحتونها ثم تعبدونها وتلجؤون إليها؟ ما نفعها وما ضرها؟ هل تغني عنكم من الله شيئا؟ هل تجلب لكم نفعا أو تدفع عنكم شرّا؟ إن هذا إلا ازدراء لعقولكم وامتهان لكرامتكم، وقال لهم إن هناك إلها حقيقيا أحق أن تعبدوه، وربّا جديرا بأن تتوجهوا إليه، هو الذي خلقكم ورزقكم، وهو الذي أحياكم وهو الذي يميتكم، مكن لكم في الأرض، وأنبت لكم الزرع، وبسط لكم في الأجسام، وبارك لكم في الأنعام، فآمنوا به واحذروا أن تعموا عن الحق أو تكابروا في الله فيصيبكم ما أصاب قوم نوح، وما عهدهم منكم ببعيد، فقال لهم ذلك راجيا أن تصل كلماته إلى أعماق نفوسهم فيؤمنوا بالله تعالى ويهتدوا إلى عبادته، ولكنه رأى عيونا حائرة، حيث سمعوا كلاما لم يكونوا قبل قد سمعوه.
وقولا لم يألفوه، فقالوا ما هذا الذي تهذي به؟ وكيف تريد أن نعبد الله وحده من غير شركاء، إننا نعبد هذه الأصنام لتقربنا إلى الله وتشفع لنا عنده، وقال لهم يا قوم إنما الله إله واحد لا شريك له، هو المستحق للعبادة، وهو قريب غير بعيد، أما هذه الأصنام التي تعبدونها من دون الله وتريدون شفاعتها وأن تقربكم إلى الله زلفى فإنها تبعدكم عنه من حيث ظننتم أنكم إليه تقتربون، وتدل على جهلكم في الوقت الذي تظنون فيه أنكم تعلمون وتفهمون، فأعرضوا عنه، وقالوا ما أنت إلا سفيه طائش الحلم تسفه عبادتنا وتعيب ما وجدنا عليه آباءنا، فما ميزتك علينا؟ أنت تأكل كما نأكل، وتشرب كما نشرب، وحياتك كحياتنا، فلما اختصك الله بالرسالة وآثرك بالدعوة؟ ما نظن إلا إنك من الكاذبين، فقال نبى الله هود عليه السلام يا قوم ليس بي سفاهة عقل ولا حماقة رأي.
ولقد عشت فيكم دهرا طويلا، فما أنكرتم عليّ شيئا، وما جربتم عليّ حمقا ولا طيشا، وما الغريب في أن يختص الله واحدا من قومه برسالته ويحمله دعوته، إنما الغريب أن يترك الناس سدى من غير رسول، وفوضى لا وازع لهم ولا رادع، وأنا لست بيائس من إيمانكم، ولا ضائق الصبر بسفهائكم، ففكروا بعقولكم وانفذوا إلى الحقائق ببصائركم، تروا أن الله واحد في كل شيء فآمنوا به واستغفروه، يرسل السماء عليكم مدرارا، ويمددكم بأموال فوق أموالكم، ويزدكم قوة إلى قوتكم، ولا تتولوا مجرمين، واعلموا أنكم بعد موتكم سوف تبعثون، مَن عَمل صالحا فلنفسه، ومن أساء فعليها، فتدبروا لأنفسكم، وخذوا الأهبة لآخرتكم وقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم، وإني لكم نذير مبين، فردوا عليه فقالوا لا شك أن واحدا من آلهتنا قد مسّك بسوء، فخولطت في عقلك ودخل عليك في تفكيرك.
فأصبحت تهذي بكلمات لا حقيقة لها إلا في خلدك، ولا ظل لها إلا في تفكيرك، وإلا فما الاستغفار الذي يرسل الله بعده الماء، ويمد بالمال، ويزيد في القوة، وما يوم البعث الذي تزعم أننا نعود منه، بعد أن نصبح عظاما نخرة وجثثا بالية؟ هيهات هيهات لما تعد وتزعم، وما هي إلا حياتنا نموت وما يهلكنا إلا الدهر، ثم ما العذاب الذي تعدنا به ونتوقع أن نلقاه؟ إننا لن نذعن لما تقول، ولن نرجع عن عبادة آلهتنا، فآتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين، فلما تبين له العناد في أحاديثهم، والإصرار على كفرهم، قال لهم إني أشهد الله أنني قد بلغت وما قصرت، وجاهدت وما أحجمت، وسوف أستمر على هذا البلاغ وذاك الجهاد ولا أبالي جمعكم، ولا أخاف بطشكم، فكيدوني كيدا، أو أجمعوا بي بطشا، إني توكلت على الله ربي وربكم، ما من دابة إلا هو أخذ بناصيتها
ومعنى الناصية أى هي خصلة الشعر في مقدم الرأس، إن ربي على صراط مستقيم، فظل نبى الله هود عليه السلام يدعو قومه وهم معرضون، وفيما هم على هذا الحال رأوا سحابا أسود في السماء، فنظروا إليه وخفوا إلى رؤيته سريعا وقالوا هذا سحاب عارض سيمطرنا، ثم تهيؤوا لاستقباله، وأعدوا حقولهم لنزوله، ولكن نبى الله هود عليه السلام قال لهم ليس هذا سحاب رحمة، وإنما هو ريح نقمة، هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم، وما راعهم إلا أن رأوا رحالهم ودوابهم في الصحراء تحملها الرياح القوية الشديدة وتقذف بها إلى مكان بعيد، فدخلهم الفزع والرعب، وأدركهم الهلع، وهرعوا سراعا إلى بيوتهم يغلقونها عليهم ظنا أنهم بذلك ينجون، ولكن البلاء كان عاما وشاملا إذ حملت الريح رمال الصحراء وقذفتها عليهم، وظلت سبع ليال وثمانية أيام متتاليات حسوما.