أخبار سياسية - اقتصادية - فنية - رياضية - عربية - دولية

الرسول في غزوة تبوك ” جزء 11″

الدكرورى يكتب عن الرسول في غزوة تبوك ” جزء 11″

بقلم / محمـــد الدكــــرورى

الرسول في غزوة تبوك ” جزء 11″

ونكمل الجزء الحادي عشر مع الرسول في غزوة تبوك، ولقد كان نزول هذه الآية قبل رجوعه من تبوك، وأنه سيحلف هؤلاء المنافقون بالله كذبا وزورا، قائلين لو استطعنا أن نخرج معكم للجهاد في تبوك لخرجنا، فإننا لم نتخلف عن الخروج معكم إلا مضطرين فقد كانت لنا أعذارنا الضرورية التي حملتنا على التخلف، ولقد كانت غزوة تبوك منذ بداية الإعداد لها مناسبة للتمييز بين المؤمنين والمنافقين، وضحت فيها الحواجز بين الطرفين، ولم يعد هناك أي مجال للتستر على المنافقين أو مجاملتهم بل أصبحت مجابهتهم أمرا ملحا بعد أن عملوا كل ما في وسعهم لمجابهة الرسول صلى الله عليه وسلم، والدعوة، وتثبيط المسلمين عن الاستجابة للنفير الذي أعلنه الله تعالى ورسوله، والذي نزل به القرآن الكريم، بل وأصبح الكشف عن نفاق المنافقين، وإيقافهم عند حدهم واجبا شرعيا، ولقد تخلف الصحابى أبو ذر الغفاري.

وأبطأ به بعيره، فقال صلى الله عليه وسلم ” دعوه، فإن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم، وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه” وتلوَّم أبو ذر على بعيره، فلما أبطأ عليه، أخذ متاعه فحمله على ظهره، ثم خرج يتبع أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ماشيا، ونزل النبي صلى الله عليه وسلم، في بعض منازله، فنظر ناظر من المسلمين فقال يا رسول الله، إن هذا الرجل يمشي على الطريق وحده، فقال رسول الله ” كن أبا ذر ” فلما تأمله القوم قالوا يا رسول الله، هو أبو ذر، فقال رسول الله “رحم الله أبا ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده” ومضى الزمان، وجاء عصر عثمان بن عفان، ثم حدثت بعض الأمور وسُير أبو ذر الغفارى إلى الربذة، فلما حضره الموت أوصى امرأته وغلامه، إذا مت فاغسلاني وكفناني ثم احملاني فضعاني على قارعة الطريق، فأول ركب يمرون بكم فقولوا

هذا أبو ذر، فلما مات فعلوا به كذلك فطلع ركب فما علموا به حتى كادت ركائبهم تطأ سريره، فإذا ابن مسعود في رهط من أهل الكوفة، فقال ما هذا؟ فقيل جنازة أبي ذر، فاستهل ابن مسعود يبكي، تعرض له أبو ذر الغفاري من الصعوبات والمخاطر أيام الغزوة التي نجاه الله منها وقواه بالصبر عليها، ولقد بذل أبو ذر جهدا كبيرا في المشي على قدميه وهو يحمل متاعه على ظهره حتى لحق بالنبي صلى الله عليه وسلم، والمسلمين، لكي ينال شرف الجهاد في سبيل الله، وقال أبو كبشة الأنصاري لما كان في غزوة تبوك تسارع الناس إلى أهل الحجر يدخلون عليهم، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنادى في الناس “الصلاة جامعة” قال فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ممسك بعيره، وهو يقول “ما تدخلون على قوم غضب الله عليهم؟” فناداه رجل منهم، نعجب منهم يا رسول الله.

قال ” أفلا أنذركم بأعجب من ذلك؟ رجل من أنفسكم ينبئكم بما كان قبلكم وما هو كائن بعدكم، فاستقيموا وسددوا، فإن الله عز وجل لا يعبأ بعذابكم شيئا، وسيأتي قوم لا يدفعون عن أنفسهم شيئا” وقال ابن عمر رضي الله عنهما إن الناس نزلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أرض ثمود، الحجر، واستقوا من بئرها، واعتجنوا به، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يهريقوا ما استقوا من بئرها، وأن يعلفوا الإبل العجين، وأمرهم أن يستقوا من البئر التي كانت تردها الناقة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم، إلا أن تكونوا باكين حذرا أن يصيبكم مثل ما أصابهم” ثم زجر فأسرع حتى خلفها، وهذا منهج نبوي كريم في توجيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، صحابته إلى الاعتبار بديار ثمود، وأن يتذكروا بها غضب الله على الذين كذبوا رسوله، وألا يغفلوا عن مواطن العظة.

ونهاهم عن الانتفاع بشيء مما في ربوعها، حتى الماء لكيلا تفوت بذلك العبرة، وتخف الموعظة، بل أمرهم بالبكاء، وبالتباكي، تحقيقا للتأثر بعذاب الله، فالغابرين شهدوا المعجزات ودلائل النبوة، وعاينوا العجائب، لكن قست قلوبهم فاستهانوا بها، وحق عليهم العذاب، وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون من نقمة الله وغضبه، وقد أصابت جيش العسرة مجاعة أثناء سيرهم إلى تبوك، فاستأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم، في نحر إبلهم حتى يسدوا جوعتهم، فلما أذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم، في ذلك جاءه عمر بن الخطاب رضى الله عنه، فأبدى مشورته في هذه المسألة، وهي أن الجند إن فعلوا ذلك نفدت رواحلهم وهم أحوج ما يكونون إليها في هذا الطريق الطويل، ثم ذكر حلا لهذه المعضلة وهو جمع أزواد القوم ثم الدعاء لهم بالبركة فيها، فعمل بهذه المشورة حتى صدر القوم عن بقية من هذا الطعام.