الدكرورى يكتب عن الرسول في غزوة تبوك ” جزء 9″
بقلم / محمـــد الدكــــرورى
الرسول في غزوة تبوك ” جزء 9″
ونكمل الجزء التاسع مع الرسول في غزوة تبوك، وأتى القريب والبعيد استعدادا لقتال الروم، وقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم، الصحابة على الإنفاق في هذه الغزوة لبعدها، وكثرة المشركين فيها، ووعد المنفقين بالأجر العظيم من الله، فأنفق كل حسب مقدرته، وكان عثمان صاحب القدح المعلى في الإنفاق في هذه الغزوة، فهذا عبد الرحمن بن حباب يحدثنا عن نفقة عثمان حيث قال، شهدت النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يحث على جيش العسرة، فقام عثمان بن عفان فقال يا رسول الله، عليَّ مائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، ثم حض على الجيش فقام عثمان بن عفان، فقال يا رسول الله عليَّ مائتا بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، ثم حض على الجيش فقام عثمان بن عفان فقال يا رسول الله، عليَّ ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، فأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ينزل عن المنبر وهو يقول ” ما على عثمان ما عمل بعد هذه، ما على عثمان ما عمل بعد هذه” وعن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنهما قال “جاء عثمان بن عفان إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بألف دينار في ثوبه حين جهز النبي صلى الله عليه وسلم، جيش العسرة، قال، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم، يقلبها بيده ويقول “ما ضر ابن عفان ما عمل بعد اليوم ويرددها مرارا” فكان عثمان بن عفان رضى الله عنه أكثر المجاهدين بالمال في الغزوة، وأما عمر بن الخطاب رضى الله عنه، فقد تصدق بنصف ماله وظن أنه سيسبق أبا بكر الصديق رضى الله عنه، بذلك، ويفول عمربن الخطاب عن ذلك الموقف “أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوما أن نتصدق، فوافق ذلك مالا عندي، فقلت، اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما، فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ما أبقيت لأهلك؟” قلت، مثله، قال.
وأتى أبو بكر بكل ما عنده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم “ما أبقيت لأهلك؟” قال، أبقيت لهم الله ورسوله، قلت، لا أسابقك إلى شيء أبدا” وقد روى أن عبد الرحمن بن عوف أنفق ألفي درهم وهي نصف أمواله لتجهيز جيش العسرة، وكانت لبعض الصحابة نفقات عظيمة، كالعباس بن عبد المطلب، وطلحة بن عبيد الله، ومحمد بن مسلمة، وعاصم بن عدي، ولقد قدَّم فقراء المسلمين جهدهم من النفقة على استحياء، ولذلك تعرضوا لسخرية وغمز ولمز المنافقين، فقد جاء أبو عقيل بنصف صاع تمر، وجاء آخر بأكثر منه، فلمزوها قائلين، إن الله لغني عن صدقة هذا، وما فعل هذا الآخر إلا رياء، فنزلت الآية الكريمة “الذين يلزمون المطوعين من المؤمنين فى الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم” ولقد حزن الفقراء من المؤمنين، لأنهم لا يملكون نفقة الخروج إلى الجهاد، فهذا عُلبة بن زيد.
وهو أحد البكائين صلى من الليل وبكى، وقال اللهم إنك قد أمرت بالجهاد، ورغبت فيه، ولم تجعل عندي ما أتقوى به مع رسولك، وإني أتصدق على كل مسلم بكل مظلمة أصابني بها في جسد أو عرض، فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أنه قد غفر له، وهذه قصة واثلة بن الأسقع، عندما نادى النبي صلى الله عليه وسلم، في غزوة تبوك، خرجت إلى أهلي فأقبلت وقد خرج أول صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفق في المدينة ينادي “ألا من يحمل رجلا له سهمه؟ فإذا شيخ من الأنصار، فقال لنا سهمه على أن نحمله عقبة، وطعامه معنا؟ فقال نعم، قال فسر على بركة الله، فخرج مع خير صاحب حتى أفاء الله عليه، فأصابه قائلا، فسقاهن حتى أتيه فخرج، فقعد على حقيبة من حقائب إبله، ثم قال سقهن مدبرات، ثم قال سقهن مقبلات، فقال ما أرى قلائصك إلا كراما، إنما هي غنيمتك التي شرطت لك، قال ” خذ قلائصك يا ابن أخي فغير سهمك أردنا” .
وتنازل واثلة في بداية الأمر عن غنيمته ليكسب الغنيمة الأخروية، أجرا وثوابا يجده عند الله يوم لقائه، وتنازل الأنصاري عن قسم كبير من راحته ليتعاقب وواثلة على راحلته ويقدم له الطعام مقابل سهم آخر هو الأجر والثواب، وجاء الأشعريون يتقدمهم أبو موسى الأشعري يطلبون من النبي صلى الله عليه وسلم، أن يحملهم على إبل ليتمكنوا من الخروج للجهاد، فلم يجد ما يحملهم عليه حتى مضى بعض الوقت فحصل لهم على ثلاثة من الإبل، وبلغ الأمر بالضعفاء والعجزة ممن أقعدهم المرض أو النفقة عن الخروج إلى حد البكاء شوقا للجهاد وتحرجا من القعود حتى نزل فيهم قرآن وهو قول الله تعالى “ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا ما نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم، ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون”.