الدكرورى يكتب عن الرسول في غزوة تبوك ” جزء 5″
بقلم / محمـــد الدكــــرورى
الرسول في غزوة تبوك ” جزء 5″
ونكمل الجزء الخامس مع الرسول في غزوة تبوك، وكذلك تحقيق غاية الجهاد، وهي غاية سامية أمر الله تعالى بها، وامتثل لها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، لنشر الدعوة الإسلامية، وكذلك كشف المنافقين الذين ظهرت حقيقتهم بعد أن دعا الرسول صلى الله عليه وسلم، إلى غزوة تبوك في أكثر الظروف صعوبة، فأوجدوا الأعذار الكاذبة لتخلفهم عن هذه الغزوة، وقد سار جيش المسلمين مسافات طويلة حتى وصل إلى هذه المنطقة، علما أن الرسول صلى الله عليه وسلم، كان قد أعلن قبل تحرك الجيش نيته لغزو الروم، لكن الروم لم يحضروا إلى المعركة ولم يلاقوا المسلمين في تبوك، ولم يحدث قتال، وعندما دعا الرسول صلى الله عليه وسلم، إلى النفير العام، وأمر المسلمين بالاستعداد لمعركة عظيمة مع الروم، خصوصا أن الروم كانوا يمثلون قوة عظمى في تلك الأيام.
وكان جيشهم أقوى جيوش الأرض في تلك الفترة، فخرج الرسول صلى الله عليه وسلم، مع المسلمين والصحابة حتى وصلوا إلى منطقة تبوك، وأثناء تجهز المسلمين للمعركة، حاول المنافقون إضعاف عزيمة المسلمين وثنيهم عن الخروج، لكن المسلمين لم يتوانوا عن بذل المال والنفس، خصوصا أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان والعباس بن عبد المطلب وعبد الرحمن بن عوف وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنهم، جميعا، كما أن نساء المسلمين أنفقن ما يملكن من حلي ومجوهرات لتجهيز الجيش، وكان عدد جيش المسلمين ثلاثين ألف مقاتل، وعند وصول جيش المسلمين إلى تبوك، لم يجدوا أحدا من الروم أو من النصارى العرب، فثبت الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، حكم الإسلام في تبوك.
وأرسل خالد بن الوليد رضي الله عنه، على رأس سرية إلى دومة الجندل، فوقع ملكها في الأسر وحملوه إلى تبوك، فصالح على الجزية، وقد لبث جيش المسلمين في تبوك بضعة عشرة ليلة، ولم يأت اي أحد من الأعداء، وقد نتج عن غزوة تبوك العديد من النتائج التي شكلت علامة فارقة في تاريخ المسلمين، خصوصا أن الله تعالى أنزل في سورة التوبة آيات تتحدث عن غزوة تبوك ونتائجها التي شكلت أحداثا مفصلية في الإسلام، كما أن غزوة تبوك كشفت الكثير من الحقائق والأشخاص، وأفرزت عددا من الأحداث الهامة، فقد هدم النبي صلى الله عليه وسلم، مسجد الضرار الذي قام المنافقون ببنائه بهدف التآمر على المسلمين، لكن الله تعالى كشف نواياهم وأسباب بنائهم لهذا المسجد، وأنزل فيهم آيات في القرآن الكريم، وقعود ثلاثة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
عن الذهاب للجهاد في غزوة تبوك دون أن يكون لهم عذر في هذا، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم، المسلمين بمقاطعتهم، فقاطعوهم خمسين ليلة، حتى أنزل الله تعالى آيات من القرآن الكريم لمسامحتهم والصفح عنهم، وذلك في سورة التوبة، وتم كشف المنافقين المكذبين الذين لم يخرجوا للجهاد مع جيش المسلمين، وتعذروا بأعذار كاذبة لا أساس لها من الصحة، ففضحهم الله تعالى ورسوله وظهرت حقيقتهم، وتم تحقيق العزة للمسلمين، وتخويف اعدائهم وبث الرعب في نفوسهم، وإعلاء راية الإسلام وتثبيته في مناطق بعيدة عن المدينة المنورة مثل منطقة تبوك، بالإضافة إلى إحقاق الجزية على أعداء المسلمين في تلك المنطقة، ولقد كانت الأجواء المحيطة بهذه الغزوة في غاية الصعوبة، وذلك لقوة العدو, فالرومان كانوا أكبر قوة عسكرية على وجه الأرض وقتها.
هذا بالإضافة لكونهم موتورين على المسلمين راغبين في الثأر لهزيمتهم المدوية في مؤتة، وكان الوقت في الصيف والحرارة شديدة خاصة في الصحراء والمسافة بعيدة والطريق وعرة صعبة، وكان الناس وقتها في عسرة وجدب من البلاء وقلة من الظهر, هذا بالإضافة أن الوقت كان وقت حصاد الثمار وكان الناس يحبون أن يمكثوا في ثمارهم وظلالهم، وأيضا توارد الأخبار المتلاحقة بأعداد الجيوش الرومية وتحركها صوب المدينة ونزولها بأرض البلقاء, لذلك ولما سبق فقد قرر الرسول صلى الله عليه وسلم، اتخاذ قرار سريع وحاسم بإعداد العدة لغزو الروم قبل أن يهجموا هم على المسلمين في المدينة فيقع المسلمون بين شقي الرحى الروم من ناحية والمنافقون من ناحية أخرى, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا أراد الغزو لم يصرح بجهة الغزو من قبل الخدعة الحربية.