الدكرورى يكتب عن الرسول في غزوة تبوك ” جزء 4″
بقلم / محمـــد الدكــــرورى
الرسول في غزوة تبوك ” جزء 4″
ونكمل الجزء الرابع مع الرسول في غزوة تبوك، وقيل إن سبب الغزوة هو قول اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم “يا أبا القاسم إن كنت صادقا أنك نبي فالحق بالشام, فإن الشام أرض المحشر وأرض الأنبياء” فنوى رسول الله صلى الله عليه وسلم، غزو الشام, والأرجح والأشهر من هذه الأسباب هو السبب الأول، فكانت غزوة تبوك هي إحدى الغزوات التي حدثت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد وقعت في شهر رجب في السنة التاسعة للهجرة، بعد فتح مكة، وهي آخر غزوة شارك فيها الرسول صلى الله عليه وسلم، وإن لهذه الغزوة مكانة عظيمة في التاريخ الإسلامي، لأن المسلمين فيها استطاعوا إثبات قوتهم أمام العالم أجمع، ولقد كان السبب الرئيسي من هذه الغزوة هو التخلص من الخطر المحدق بالإسلام والمسلمين من قبل الروي.
الذين لم يحتملوا خسارتهم في معركة مؤتة أمام المسلمين، عدا عن ذلك فقد قام المنافقين بمراسلة الروم ودس المكائد للمسلمين وارتكاب العديد من الجرائم في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي حق المسلمين، كما قاموا ببناء مسجد الضرار لإيهام المسلمين، إلا أن هذا المسجد شكل مركزا لتجمع المنافقين، ولم يدخل الرسول صلى الله عليه وسلم، إليه أبدا، وقام بهدمه بعد إنتهاء هذه المعركة، ومن دهاء وخبث المنافقين أنهم جعلوا الأمور بالنسبة للمسلمين غير واضحة أبدا، إلا أنهم تأكدوا من نوايا الروم تجاههم من خلال الأنباط القادمين من الشام، بعد أن تأكد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، من نوايا الروم فقد قام بإعداد جيش عظيم وصل عدد مقاتليه إلى ثلاثين ألف مقاتل، عدا المنافقين الذين لم يخرجوا معهم واختلقوا الأعذار.
ليبقوا في بيوتهم، فكشفهم الرسول صلى الله عليه وسلم، لذا سميت هذه الغزوة بالفاضحة، لأنه فيها تم كشف المنافقين ونواياهم الخبيثة، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم، بجيشه لمواجهة جيش الروم الذي بلغ عدد مقاتليه أربعين ألف مقاتل، إلا أن الجو كان في ذلك الوقت شديد الحرارة والأرض مجدبة، وفي الطريق شح الماء والطعام، فأكل المسلمون أوراق الشجر، وفتحوا بطون البعير ليشربوا الماء منها، لذا سميت هذه الغزوة أيضا بغزوة العسرة، للصعوبات والعقبات التي واجهت المسلمين وهم في طريقهم إلى مكان المعركة، كما أن بعض المسلمين تخلفوا عن الخروج إلى هذه الغزوة فعاتبهم الله عزوجل، وعندما وصل المسلمون إلى عين تبوك، وهي مكان الغزوة وإليه نسب اسمها، كان الروم هناك ينتظرون قدومهم، إلا أنه بمجرد رؤيتهم للمسلمين.
دب في قلوبهم الرعب وفروا هاربين خائفين من مواجهة المسلمين، وانتصر المسلمون في هذه المعركة دون قتال ودون سفك دماء، وكان من نتائج هذه المعركة أن دخل حلفاء الروم وهم النصارى لحلف الرسول صلى الله عليه وسلم، والمسلمين مقابل أن يدفعوا الجزية، كما تم إخضاع إمارة دومة الجندل وإمارة أيلة وهى العقبة إلى حكم المسلمين، وفى غزوة تبوك والمنافقين فقد ذكر ابن كثير في تفسيره، وفي تاريخه، أن الله سبحانه وتعالى لما أنزل قوله تعالى “يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا” فقالت قريش، وكان ذلك بعد فتح مكة ” لينقطعن عنا المتاجر والأسواق أيام الحج، وليذهبن ما كنا نصيب منها، فعوضهم الله عن ذلك، بالأمر بقتال أهل الكتاب، حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون.
ويرى ابن كثير أن سبب الغزوة هو استجابة طبيعية لفريضة الجهاد، ولذلك عزم الرسول صلى الله عليه وسلم، على قتال الروم، لأنهم أقرب الناس إليه، وأولى الناس بالدعوة إلى الإسلام لقربهم إليه وإلى أهله، وغزوة تبوك أو غزوة العُسرة من الغزوات التي حدثت في ظروف صعبة جدا، وعلى الرغم من الظروف، فقد دعا الرسول صلى الله عليه وسلم، المسلمين إلى هذه الغزوة لأسباب عدة، وكان من أهم هذه الأسباب هو وقف تحرك الروم ومن حالفهم من القبائل العربية النصرانية، التي بدأت بالزحف نحو المسلمين، بعد أن جمع الروم الكثير من الجموع في الشام، على الرغم من أن الروم لم يكونوا يشكلوا تهديدا مباشرا للمسلمين، وكذلك تحقيق غاية الجهاد، وهي غاية سامية أمر الله تعالى بها، وامتثل لها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.