الدكرورى يكتب عن الرسول في غزوة تبوك ” جزء 3″
بقلم / محمـــد الدكــــرورى
الرسول في غزوة تبوك ” جزء 3″
ونكمل الجزء الثالث مع الرسول في غزوة تبوك، وبالرغم من وضوح هذه الجريمة الغادرة، تجلى موقف النبي صلى الله عليه وسلم، العظيم تجاه هؤلاء النفر، بالتسامح والعفو عنهم، وذلك حفاظا على سمعة الفئة المؤمنة، ومخافة أن يقول الناس، إن محمدا يقتل أصحابه، وكان في المدينة وبعد الرجوع من تلك الغزوة أراد المنافقون استغلال غياب النبي صلى الله عليه وسلم، إذ كانوا يخططون لإقامة مركز خاص بهم، يأوي إليه أهل النفاق والشقاق، وهو مسجد الضرار، الذي وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، بافتتاحه والصلاة فيه بعد العودة من تبوك، وأطلع الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم، على ما قصد إليه المنافقون من وراء إقامة هذا المسجد، فبعث مَن يحرق مسجد الضرار، فقال الله تعالى فى سورة التوبة.
“والذِين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أَردنا إِلا الحسنى والله يشهد إنَهم لكاذبون” فهؤلاء هم المنافقون، وهذا دورهم في هذه الغزوة، وتلك هي شيمهم وأخلاقهم في كل زمان ومكان، وإن من أعظم حكم الابتلاء الواقع على أمة الإسلام عبر العصور هو تميز الصف المسلم وتمحيصه من أصحاب النفوس المريضة والمنافقين وطلاب الدنيا ذلك لأن المسلمين إذا كانوا دائما ظاهرين قاهرين لعدوهم دخل في صفهم من ليس منهم ولا على طريقتهم وهؤلاء الدخلاء على اختلاف أنواعهم منافقين طلاب دنيا وأصحاب أهواء وشهوات، وإذا دخلوا الصف وبقوا فيه على المدى الطويل يفسدون الصف ويكونون سبب التفرق والتشرذم, فهم تماما كالداء الكامن.
داخل الصف والأوساخ على الثوب الأبيض والأكدار التي تعكر صفو الماء الرائق إذا لم يتم التخلص منهم أولا بأول فإن العاقبة منهم وخيمة والابتلاء يضمن تطهيرا ذاتيا دائما للصف المسلم وصدق الله العظيم عندما قال فى كتابة الكريم فى سورة آل عمران “ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب” وكلما كان الابتلاء كبيرا وعريضا كلما بان الخبيث من الطيب, وأيضا كلما توحدت الأمة المسلمة وهذا هو الجانب المشرق في هذه القضية, وصفحتنا تلك عن آخر غزوات النبي صلى الله عليه وسلم، والتي أسفرت عن تمحيص الصف المسلم وذلك من حكمة الله تعالى في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ليلقى الله عز وجل وهو مطمئن على أمته، ولقد كان فتح مكة فرقانا بين عهد التكوين وعهد التمكين.
فبعد فتح مكة لم يبق بعدها مجالا للشك في الإسلام ودخل الناس في دين الله أفواجا وعظم شأن الإسلام جدا وهذا أوغر صدور أعداء الإسلام في شتى بقاع الأرض وعز على الشيطان أن يرى المسلمين يجنون ثمار كفاحهم الطويل والشاق والتي رووها بدمائهم ومهجهم فسول لكل عدو ومتربص بالإسلام أن يبادر بالعداوة ويجاهر بالسوء، وبدون أي مبرر تعرضت للمسلمين أكبر قوة عسكرية ظهرت على وجه الأرض وقتها وهم الرومان, فبعد الصدام الدامي مع المسلمين، في موقعة مؤتة فى السنة الثامنه من الهجرة، وما أسفرت عنه من انتصار مدوي للمسلمين, لم يغب عن ذهن هرقل ضرورة رد الهزيمة بعمل عسكري ضخم وقوي يخضد شوكة المسلمين المتنامية قبل أن يستفحل خطرها وتهدده في عقر داره فأعد هرقل جيشا عرمرما ضخما من الرومان والعرب الغساسنة.
وترامت الأخبار للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، والمسلمين في المدينة بحشود الرومان وأنها قد وصلت لأرض البلقاء بالشام وقيل إن سبب الغزوة غير ذلك وهو نزول الأمر الإلهي من الله عز وجل كما قال تعالى فى سورة التوبة “يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة” وكان الروم في الشام أقرب الناس إليهم وأولى الناس بالدعوة، لأنهم أهل كتاب, فعزم رسول الله صلى الله عليه وسلم، على جهادهم, وقيل أيضا إن سبب الغزوة هو قول اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم “يا أبا القاسم إن كنت صادقا أنك نبي فالحق بالشام, فإن الشام أرض المحشر وأرض الأنبياء” .