الدكرورى يكتب عن الرسول في غزوة تبوك ” جزء 2″
بقلم / محمـــد الدكــــرورى
الرسول في غزوة تبوك ” جزء 2″
ونكمل الجزء الثاني مع الرسول في غزوة تبوك، ولقد ميز القرآن الكريم هذه الغزوة عن غيرها، فسميت ساعة العسرة، فقد قال الله تعالى فى كتابة الكريم في سورة التوبة “لقد تاب الله على النبى والمهاجرين والأنصار الذين أتبعوه فى ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءؤف رحيم” فقد كانت غزوة عسرة بمعنى الكلمة، وإن لغزوة تبوك أيضا اسم ثالث وهو الفاضحة، وقد ذكره الزرقاني في كتابه شرح المواهب اللدنية وقد سميت بهذا الاسم لأن هذه الغزوة كشفت عن حقيقة المنافقين، وهتكت أستارهم، وفضحت أساليبهم العدائية الماكرة، وأحقادهم الدفينة، وجرائمهم البشعة بحق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، والمسلمين، وأما موقع تبوك فيقع شمال الحجاز، وكانت من ديار قضاعة الخاضعة لسلطان الروم آنذاك، وكان بعد أحداث صلح الحديبية.
أصبح وجود المنافقين محدودا، فلم تعد تقوم لهم قائمة، ولم يكن لديهم من القوة ما يكفي لمحاربة المسلمين، وفي المقابل عاد المجتمع الإسلامي ليصبح أكثر قوة وأشد بأسا لا سيما بعد فتح مكة، حيث كثر الوافدون إلى الدين الحنيف بفضل الله تعالى، ومن المؤسف أن رأس المنافقين عبد الله بن أبيّ بن سلول كان لا يزال على قيد الحياة، والذي سعى بدوره لتنظيم صفوف حزبه، وقد بذل جهده لبناء قوة تمكنه من مواجهة المسلمين، فلما حان وقت الخروج لغزو الروم، وجاء الأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالخروج، بدأ المنافقون عملهم المتمثل في تخذيل الفئة المؤمنة وثنيها عما هي ماضية إليه، فقد كان عدد المتخلفين من المنافقين في غزوة تبوك نحو ثمانين رجلا، وكانت مصالحهم الدنيوية قد قعدت بهم عن الجهاد في سبيل الله تعالى، وقد برز دور المنافقين في هذه الغزوة على ثلاث مراحل.
مرحلة ما قبل النفير، ومرحلة النفير، والمرحلة الأخيرة، وهى مرحلة ما بعد النفير وهي مرحلة وجودهم في المدينة، وأما عن دورهم قبل النفير فقد انصب على تخذيل الناس عن الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعوتهم إلى الركون للدنيا ، حيث كان الوقت وقت اشتداد الحر، وقطف الثمار، وكان الناس يفيئون إلى ظلال الأشجار، وهو وقت ميلان النفوس إلى الدعة والكسل والراحة، وقد وصف القرآن الكريم تلك الحال فقال الله تعالى فى سورة التوبة “وقالوا لا تنفروا فى الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون” وقال الله تعالى أيضا فى سورة التوبة ” ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثَبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين” ومن ثم نتج عن ذلك تخلف رهط من المنافقين، وعدد قليل من الصحابة، فلم يخرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأتوه يحلفون له ويعتذرون إليه، ققال الله تعالى فى سورة التوبة “ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني أَلا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين”
وأما البقية من المنافقين فقد كانوا معه في المسير يقتنصون الفرص للكيد والإرجاف والتثبيط، وقد تمثل دور المنافقين في المرحلة الثانية وهي مرحلة النفير في مخالفة الأوامر، وبث الفتنة والفرقة في صفوف جيش المسلمين، والتكاسل عن المسير، وكان من أهم الأحداث التي حصلت محاولة اغتيال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال الله تعالى فى سورة التوبة “يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا وما نقموا إِلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله فإن يتوبوا يك خيرا لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا والآخرة وما لهم في الأَرض من ولي ولا نصير” وقد أحبط الله تعالى مخططاتهم، بإطلاع نبيه صلى الله عليه وسلم، عليها حين همّوا بما لم ينالوا، فقد روى البيهقي في دلائل النبوة عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، قال كنت آخذا بخطام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أقود به وعمار بن ياسر يسوق الناقة.
أو أنا أسوق وعمار بن ياسر، يقود به، حتى إذا كنا بالعقبة إذا باثني عشر راكبا قد اعترضوه فيها، فأنبهت رسول الله صلى الله عليه و سلم، فصرخ بهم فولوا مدبرين، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ” هل عرفتم القوم ؟ قلنا لا يارسول الله قد كانوا متلثمين، ولكنا قد عرفنا الركاب، فقال صلى الله عليه وسلم “هؤلاء المنافقون إلى يوم القيامة، وهل تدرون ما أرادوا ؟ قلنا لا، قال ” أرادوا أن يزحموا رسول الله في العقبة فيلقوه منها ” قلنا يا رسول الله أولا تبعث إلى عشائرهم حتى يبعث إليك كل قوم برأس صاحبهم ؟ قال صلى الله عليه وسلم ” لا، أكره أن تتحدث العرب بينها أن محمدا قاتل بقومه، حتى إذا أظهره الله بهم أقبل عليهم يقتلهم” ثم قال صلى الله عليه وسلم “اللهم ارمهم بالدبيلة” قلنا يا رسول الله وما الدبيلة ؟ قال “هي شهاب من نار تقع على نياط قلب أحدهم فيهلك”