الدكرورى يكتب عن والي المدينة رياح بن عثمان ” جزء 2″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
والي المدينة رياح بن عثمان ” جزء 2″
ونكمل الجزء الثاني مع والي المدينة رياح بن عثمان، ولذلك يتكرر في المصادر الإسلامية بشكل ملحوظ ذكرهما معا عند الكلام في الخروج على أبي جعفر، وقد كان كذلك شاعرا وعالما بأخبار العرب بأيامهم وأشعارهم، وكما ساند الإمام أبو حنيفة النعمان، والإمام زيد بن علي زين العابدين في محنة هذا الأخير السياسية وثورته على الحكم الأموي، وقد آزر أيضا إبراهيم بن عبد الله في ثورته على حكم بني العباس، حيث أرسل إليه أبو حنيفة الأمير إبراهيم بن عبد الله أربعة آلاف درهم لم يكن عنده حينذاك غيرها، ويحكى عن أبي حنيفة أن غزوة مع إبراهيم بعد حجة الإسلام أفضل من خمسين حجة، وقبل ذلك كان أبو حنيفة النعمان قد أجرى اتصالات علمية مع عبد الله والد إبراهيم ومحمد النفس الزكية، وأما عن يزيد بن أسيد، فهو يزيد بن أسيد بن زافر بن أبي أسماء بن أبي السيد بن منقذ بن مالك بن عوف بن إمرئ القيس بن بهثة بن سليم.
وهو من بني سليم بن منصور، وكان يزيد هذا من القادة المعروفين في دولة بني العباس، وأما عن خالد بن عبد الله القسري البجلي، فهو قائد أموي، وقد سكن دمشق ايام الأمويين من بطن شق الكاهن، وهو من بنو قسر، وهم بنو مالك، وهم من قبيلة بجيلة، وكان يكنى أبا القاسم وقيل أبا الهيثم، وقد تباينت أقوال المراجع بشأن سيرته، فمنهم من ذمه وشتمه، ومنهم من مدحه وبجله، والأكثرون على ذمه لبغي فيه، حتى أنه هلك بسبب ذلك، إذ قتله الخليفة الأموي، وكان خالد هو من قتل الجعد بن درهم عندما كان واليا على العراق حيث قال قبل قتلة ياأيها الناس ضحوا تقبل الله ضحاياكم فاني مضح بالجعد بن درهم لإنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ولم يكلم موسى تكليما، تعالى الله عما يقول الجعد بن درهم علواً كبيرا، وفي قصة اخرى عن سبب تولي رياح بن عثمان للمدينة.
وهو أنه لما بلغ خطر أمر محمد النفس الزكية وإبراهيم بن عبد الله أبناء عبد الله بن الحسن المثنى من أبي جعفر، أن رياح بن عثمان المري أرسل رسولا إلى أحد وزراء أبو جعفر المنصور يقول له قد بلغني أمر محمد وإبراهيم وإدهان الولاة في أمرهما وإن ولاني أمير المؤمنين المدينة ضمنت له أحدهما وألا أظهرهما قال فأبلغت ذلك أمير المؤمنين فكتب إليه بولايته وليس بشاهد ولما دخل رياح بن عثمان دار مروان فصار في سقيفتها أقبل على بعض من معه فقال هذه دار مروان قالوا نعم قال هذه المحلال المظعان ونحن أول من يظعن منها، وفي احدى الروايات قال حاجبه أبو البختري، قال لي رياح بن عثمان ياأبا البختري خذ بيدي ندخل على هذا الشيخ، ويقصد عبد الله بن الحسن المثنى، فأقبل متكئا علي حتى وقف على عبد الله بن حسن فقال أيها الشيخ
إن أمير المؤمنين والله ما استعملني لرحم قريبة ولا يد سلفت إليه والله لا لعبت بي كما لعبت بزياد وابن القسري والله لأزهقن نفسك أو لتأتيني بابنيك محمد وإبراهيم، قال فرفع رأسه إليه وقال نعم أما والله إنك لأزيرق قيس المذبوح فيها كما تذبح الشاة قال أبو البختري فانصرف رياح والله آخذا بيدي أجد برد يده وإن رجليه لتخطان مما كلمه قال قلت والله إن هذا ماطلع على الغيب قال إيها ويلك فوالله ما قال إلا ماسمع قال فذبح والله فيها ذبح الشاة، ولما قدم رياح بن عثمان المدينة فدعا بالقسري فسأله عن الأموال فقال هذا كاتبي هو أعلم بذلك مني قال أسألك وتحيلني على كاتبك فأمر به فوجئت عنقه وقنع أسواطا ثم أخذ رزاما كاتب محمد بن خالد القسري ومولاه فبسط عليه العذاب وكان يضربه في كل غب خمسة عشر سوطا مغلولة يده إلى عنقه من بكرة إلى الليل.
ويتبع به أفناء المسجد والرحبة ودس إليه في الرفع على ابن خالد فلم يجد عنده في ذلك مساغا فأخرجه عمر بن عبد الله الجذامي وكان خليفة صاحب الشرط يوما من الأيام وهو يريد ضربه ومابين قدميه إلى قرنه قرحة فقال له هذا يوم غبك فأين تحب ان نجلدك قال والله ما في بدني موضع لضرب فإن شئت فبطون كفي فأخرج كفيه فضرب في بطونهما خمسة عشر سوطا قال فجعلت رسل رياح تختلف إليه تأمره أن يرفع على ابن خالد ويخلى سبيله فأرسل إليه مر بالكف عني حتى أكتب كتابا فأمر بالكف عنه ثم ألح عليه وبعث إليه أن رح بالكتاب العشية على رؤوس الناس فادفعه إلي فلما كان العشي أرسل إليه فأتاه وعنده جماعة فقال أيها الناس إن الأمير أمرني أن أكتب كتابا وأرفع على ابن خالد وقد كتبت كتابا أتنجى به وأنا أشهدكم أن كل ما فيها باطل فأمر به رياح فضرب مائة سوط ورد إلى السجن.
وقد جهر رياح بشتم محمد وإبراهيم ابني عبد الله وشتم أهل المدينة، وقال ثم قال يوما وهو على المنبر يذكرهما الفاسقين الخالعين الحاربين وقال ثم ذكر ابنة أبي عبيدة أمهما فأفحش لها، فسبح الناس وأعظموا ما قال، فأقبل عليهم فقال إنكم لا كلنا عن شتمهما ألصق الله بوجوهكم الذل والهوان أما والله لأكتبن إلى خليفتكم فلأعلمنه غشكم وقلة نصحكم فقال الناس لا نسمع منك يابن المحدود وبادروه بالحصى فبادر واقتحم دار مروان وأغلق عليه الباب وخرج الناس حتى صفوا وجاهه فرموه وشتموه ثم تناهوا وكفوا، وقد قتل رياح بن عثمان المرى فى عام مائه وخمسه وأربعين من الهجره، عندما ثار محمد النفس الزكية عليه وقبض عليه بالمدينة ثم قتله، ومحمد النفس الزكية، هو بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط الهاشمي القرشي، وقد ولد بالمدينة المنوره سنة مائه من الهجره، وكان يكنى أبا عبد الله، وقيل كان يكنى أبا القاسم.