الدكرورى يكتب عن عُروة بن الزُبير “جزء 6”
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
عُروة بن الزُبير “جزء 6”
ونكمل الجزء السادس مع عُروة بن الزُبير، وقد أصبح عروة العُمدة التي اعتمد عليها كثير ممن جاء بعده من المؤرخين للسيرة النبوية والغزوات، وهو الباب الذي سمّاه المسلمون قديما المغازي والسير، وقد اشتهر عروة في عصره بسعة علمه بحوادث تلك الفترة مما دعا معاصريه من الخلفاء مثل عبد الملك بن مروان وابنه الوليد إلى مراسلته لسؤاله عن بعض الحوادث التاريخية، بالإضافة إلى ردود عروة على رسائل الخلفاء، فقد حدّث عروة بعض طلابه ببعض الحوادث التاريخية التي ارتبطت بعضها بتفسير وتوضيح بعض الآيات القرآنية، والتي تناقلها عنه طلبته، وانساقت في كتب التاريخ، لذا اعتبره الواقدي أول من صنف في باب المغازي، ولم يكن ما جمعه عروة من الحوادث التاريخية تأريخا بمعناه المعاصر، وإنما كان في صيغة روايات كروايات الحديث النبوي الشريف.
وقد نقلها عنه الكثيرون أبرزهم ابنه هشام وأبو الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل الأسدي الذي نزل مصر، وحدث بها بكتاب المغازي لعروة بن الزبير وابن شهاب الزُهري، وتعد أشهر روايات مغازي عروة عن طريق رواية عبد الله بن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة، ورواية الزُهري عن عروة، وقد حفظ عبد الرزاق الصنعاني في كتابه المصنف في باب كتاب المغازي نسخة من مرويات معمر بن راشد عن الزُهري عن مغازي عروة، وقد قطعها أبوابا بحسب الوقائع، وكما حصر المؤرخ عبد العزيز الدوري في كتابه نشأة علم التاريخ عند العرب، الأحداث التاريخية التي نقلها المؤرخون عن عروة فوجدها تشمل بدايات بعثة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.
والهجرة إلى الحبشة، وسبل مقاومة قريش لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم، في مكة، والهجرة النبوية، وسرية عبد الله بن جحش، وغزوة بدر، وغزوة الخندق، وغزوة بني قريظة، وغزوة بني المصطلق، وصلح الحديبية، وغزوة مؤتة، وفتح مكة وغزوة حنين، وغزوة الطائف، وبعض رسائل النبي صلى الله عليه وسلم، إلى كبار رجال قبائل الجزيرة العربية، ووفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ووفاة خديجة بنت خويلد، وزواج النبي صلى الله عليه وسلم، من السيده عائشة، وبعض أحداث فترة الخلفاء كإنفاذ بعث أسامة بن زيد، وتجهيز جيوش حروب الردة، ومطالبة العباس بن عبد المطلب وفاطمة بنت محمد من أبي بكر ميراثهما.
من النبي صلى الله عليه وسلم، ورد أبي بكر، ومرض أبي بكر ووفاته، وذهاب عمر بن الخطاب لأيلة، وأحداث موقعة الجمل، وكان عروه بن الزبير، لحرصه على العلم، ومعرفته بما في العلم من فوائد جمة، وما في الجهل من عيوب ومساوي، فكان يوصي أبنائه ويحضهم على طلب العلم قائلا لهم يا بني تعلموا العلم، وابذلوا له حقه، فإنكم إن تكونوا صغار قوم، فعسى أن يجعلكم الله بالعلم كبراءهم، ثم يقول واسوأتاه، هل في الدنيا شيء أقبح من شيخ جاهل، ومن موقف تعلمه من حكيم بن حزام حين قتل أبوه الزبير بن العوام بعد وقعة الجمل، وسمع ما سمع من الناس ما يكرهه ويؤذيه، فذهب إلى حكيم بن حزام ليعرف مثالب قريش فيقتص منهم ويؤذيهم كما آذوه.
وكان قد دخل عليه هو وأخوه المنذر بن الزبير وعندما ذكرا له ما أرادا، أوسعهم ضربا ثم قال أعندي تلتمسان معايب قريش ايتدعا في قومكما يكف عنكما مما تكرهان فانتفعنا بأدبه، لذا كان يوصي أبناءه بلين الجانب، وطيب الكلام، وبشر الوجه فيقول يا بني، مكتوب في الحكمة، لتكن كلمتك طيبة، وليكن وجهك طلقا، تكن أحب إلى الناس ممن يبذل لهم العطاء، وكان عروه بن الزبير، من شكره على نعم الله تعالى أنه كان لا يُؤتى أبدا بطعام ولا شراب حتى الدواء، فيطعمه أو يشربه حتى يقول الحمد لله الذي هدانا وأطعمنا وسقانا ونعّمنا، الله أكبر، اللهم ألفتنا نعمتك بكل شيء، فأصبحنا وأمسينا منها بكل خير، نسألك تمامها وشكرها، لا خير إلا خيرك، ولا إله غيرك، إله الصالحين ورب العالمين، الحمد لله، لا إله إلا الله ما شاء الله لا قوة إلا بالله، اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وقنا عذاب النار”