أخبار سياسية - اقتصادية - فنية - رياضية - عربية - دولية

عُروة بن الزُبير “جزء 5”

الدكرورى يكتب عن عُروة بن الزُبير “جزء 5”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

عُروة بن الزُبير “جزء 5”

ونكمل الجزء الخامس مع عُروة بن الزُبير، وهو تابعي ومحدث ومؤرخ مسلم، وقال العجلي عروه تابعي ثقة، ورجل صالح، ولم يدخل في شيء من الفتن، وقال ابن خراش هو ثقة، وقال ابن سعد عروه هو ثقة، ثبتا، مأمونا، كثير الحديث فقيها، عالما، وقال سفيان بن عيينة كان أعلم الناس بحديث السيده عائشة رضى الله عنها، ثلاثة القاسم بن محمد وعروة بن الزبير وعمرة بنت عبد الرحمن، وكان عروة بن الزبير مُكثرا من الصيام، فقد روى ابنه هشام أن أباه كان يصوم الدهر كله إِلا يوم الفطر ويوم النحر، وقيل أنه مات وهو صائم، كما كان عروة كثير التعبّد وقراءة القرآن، حيث كان يقرأ ربع القرآن كل يوم في المصحف، ويقوم به الليل، وما ترك ذلك إلا ليلة قطعت رجله

وكما عُرف عن عروه، صبره، وله في ذلك قصة مشهورة، حيث تقرّحت قدمه وساء حالها وهو في زيارة لبلاط الخليفة الوليد بن عبد الملك في الشام، فدعا له الخليفة بطبيب رأى ضرورة بترها، وعرض عليه أن يُسكنه بشراب، فأبى عروة وصبر على قطعها، وما تغيّر وجهه، ثم جاؤه برجله المقطوعة في طست، فقال إن الله يعلم أني ما مشيت بك إلى معصية قط، وأنا أعلم، ثم حدث أن مات ابنه محمد وهو أحب بنيه إليه في نفس السفرة إلى الشام، حيث وقع من سطح على إسطبل، فرفسته بغلة حتى مات، فما زاد عن قوله لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا، اللهم كان لي بنون سبعة، فأخذت واحدا وأبقيت لي ستة، وكان لي أطراف أربعة، فأخذت طرفا وأبقيت ثلاثة، فلك الحمد، وأيم الله.

لئن أخذت لقد أبقيت، ولئن ابتليت طالما عافيت، وكما كان عروة بن الزبير سخيا سمحا، فقد روى ابن شوذب أنه كان لعروة له بستان من نخيل مُسوّرا، حتى إن آن أوان الرُطب وطابت ثماره، كسر جانبا من حائط بستانه ليجُوز إليه الناس، ويأكلون من ثماره، وكان إذا دخل بستانه يردد قوله تعالى “ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله، لا قوة إلا بالله إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا” وقد عاصر عروة بن الزبير الكثير من صحابة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وروى عنهم حتى عُدّ من المكثرين من رواية الحديث النبوي بين معاصريه، وقد روى عروة عن أبيه الزبير بن العوام وعن أمه أسماء بنت أبي بكر وعن خالته عائشة بنت أبي بكر وعن الكثير والكثر.

من الصحابه الكرام رضوان الله عليهم، وقد كان عروه بن الزبير، يُعد الصدقة هدية تهدى لله عز وجل، فيقول لأبنائه لا يهدين أحدكم إلى ربه ما يستحي أن يهديه إلى عزيز قومه، فإن الله تعالى أعز الأعزاء، وأكرم الكرماء، وأحق من يختار له، وقد كان عروة من السبّاقين في تدوين الحديث الشريف، فقد روى ابنه هشام أن عروة أحرق كتبا له يوم وقعة الحرة حتى لا يتخذ كتابا مع القرآن، ثم ندم عروة على حرقها حيث قال كنا نقول لا يُتخذ كتاب مع كتاب الله، فمحوت كتبي، فوالله لوددت أن كتبي عندي، إن كتاب الله قد استمرت مريرته، وكان عروة يُشجّع أبنائه على دراسة الحديث وحفظه، ويعتني بتبويبه بحسب أبواب الفقه ترتيبا موضوعيا، فقد روى ابنه هشام أن أباه كان يدعوه وإخوته.

فيقول لا تغشوني مع الناس، إذا خلوت فسلوني، فكان يحدثنا، يأخذ في الطلاق، ثم الخلع، ثم الحج، ثم الهدي، ثم كذا، وقد نسخ ابنه هشام كتب أبيه في دفاتر وصححها بمقابلتها على أصولها، حيث رُوي أن عباد بن حمزة بن عبد الله بن الزبير طلب من هشام أن يعطيه أحاديث أبيه عروة، فأخرج هشام دفترا، ودفعه إلى عباد، وقال في هذا أحاديث أبي، صححته، وعرفت ما فيه فخذه عني، ولا تقل كما يقول هؤلاء حتى أعرضه، وقد جعلت ملازمة عروة لخالته السيده عائشة بنت أبي بكر، وروايته عن بعض أمهات المؤمنين كأم سلمة وأم حبيبة، وإدراكه لبعض الصحابة الذين شهدوا الغزوات والأحداث التي عاصرت بدايات الإسلام، أن أصبح عروة العُمدة التي اعتمد عليها كثير ممن جاء بعده.