الدكرورى يكتب عن عُروة بن الزُبير “جزء 4”
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
عُروة بن الزُبير “جزء 4”
ونكمل الجزء الرابع مع عُروة بن الزُبير، وكان ذلك بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان تارة وبين أخيه عبد الله بن الزبير والأمويين تارة أخرى، فلم يدخل في شيء من الفتن، بل وظن أن تلك الفتن قد تجلب الشر للمسلمين، فرأى اعتزالها، حيث روى عبد الله بن الحسن بن على بن أبي طالب قائلا، كان علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب يجلس كل ليلة هو وعروة بن الزبير في مؤخر مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، بعد العشاء الآخرة، فكنت أجلس معهما، فتحدثا ليلة فذكرا جور من جار من بني أمية والمقام معهم، وهم لا يستطيعون تغيير ذلك، ثم ذكرا ما يخافان من عقوبة الله لهم، فقال عروة لعلي، يا علي إن من اعتزل أهل الجور والله يعلم منه سُخطه لأعمالهم، فإن كان منهم على ميل.
ثم أصابتهم عقوبة الله رُجي له أن يسلم مما أصابهم، قال فخرج عروة فسكن العقيق، حيث ابتنى هناك قصرا ما زالت بعض آثاره باقية إلى اليوم، كما حفر بئرا بالمدينة عُرفت ببئر عروة، وقد صفها الذهبي قائلا ما كان بالمدينة بئرا أعذب من مائها، غير أن عروة أقام بمكة تسع سنين فى زمن خلافة أخيه عبد الله، ولكن دون مشاركة منه في الأحداث، بل ولم يشتغل بولاية ولا حتى بقضاء، وخليق برجل تربى بين يدي الزبير بن العوام، وأسماء بنت أبي بكر، وتفقه على يد أم المؤمنين عائشة، وأخذ الحديث عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يكون مثالا حيا في عبادته وزهده وورعه وأخلاقه، وكان عروة بن الزبير كذلك، فلقد أثر عنه أنه كان يصوم الدهر.
وكان يقرأ كل يوم ربع الختمة في المصحف ويقوم الليل، فما تركه إلا ليلة قطعت رجله، وكانت أصيبت بالأكلة فنشرها له الطبيب وصبر على نشرها وهو يقرأ القرآن، وكان عروه بن الزبير، مؤثرا للعلم، ورضا الله على أي شيء آخر من أمور الدنيا، ويذكر عنه أنه أول من كتب السيرة، إذ جمعها في كتاب أسماه مغازي الرسول، ولما سُئل عراك بن مالك عن أفقه أهل المدينة قال أما أعلمهم بقضايا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقضايا أبي بكر وعمر وعثمان وأفقههم فقها وأعلمهم بما مضى من أمر الناس فسعيد بن المسيب وأما أغزرهم حديثا فعروة بن الزبير، وقد تزوج عروة بن الزبير من فاختة بنت الأسود بن أبي البختري بن هاشم بن الحارث بن أسد بن عبد العزى وأنجب منها عبد الله.
وهو أكبر أبنائه وعمر الذي قتل مع عمه عبد الله بن الزبير والأسود وأم كلثوم وأم عمر ومن أم يحيى بنت الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس أخت الخليفة الأموي مروان بن الحكم، وعمة الخليفة عبد الملك بن مروان، وأنجب منها أبنائه يحيى ومحمد الذي توفى تحت سنابك الخيل في الشام وعثمان وأبا بكر وعائشة وخديجة ومن أسماء بنت سلمة بنت عمر بن أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومية، وأنجب منها ولده عبيد الله كما تزوج من سودة بنت عبد الله بن عمر بن الخطاب وأنجب منها ابنته أسماء، ومن امرأة من بني شيبان حين قدم إلى مصر، وأقام معها بمصر سبع سنين، كذلك كان له من الولد مصعب وأم يحيى، وأمهما أم ولد وكان اسمها واصلة، وهشام وهو من أم ولد أخرى.
وقد أثنى الكثيرون على علم عروة، وأعلو مكانته في الرواية ووثقوه، فقد رُوى أن عمر بن عبد العزيز قال ما أجد أعلم من عروة بن الزبير، وما أعلمه يعلم شيئا أجهله، وقال الزهري جالست ابن المسيب سبع سنين لا أرى أن عالما غيره، ثم تحولت إلى عروة، ففجرت به ثبج بحر، وقال أيضا كان عروة بن الزبير بحرا لا يكدره الدلاء، وقال أبو الزناد فقهاء المدينة أربعة سعيد وعروة وقبيصة وعبد الملك بن مروان، وقال أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي العلم لواحد من ثلاثة لذي حسب يزينه به، أو ذي دين يسوس به دينه، أو مختبط سلطانا يتحفه بعلمه، ولا أعلم أحدا أشرط لهذه الخلال من عروة، وعمر بن عبد العزيز.