الدكرورى يكتب عن القائد محمد بن القاسم الثقفي ” جزء 1″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
القائد محمد بن القاسم الثقفي ” جزء 1″
محمد بن القاسم الثقفي، وهو قائد أحد جيوش الفتح ومشهور بكونه فاتح بلاد السند، وكان والده القاسم الثقفي واليا على البصرة، وهو ابن عم الحجاج بن يوسف الثقفي، ومحمد بن القاسم الثقفى هو مؤسس أول دولة إسلامية في الهند، وقد بدت على محمد بن القاسم الثقفي أمارات النجابة والشجاعة وحسن التدبير في الحرب منذ نعومة أظفاره، وذلك مما جعل الحجاج بن يوسف الثقفي يعينه أميرا على ثغر السند وهو لم يتجاوز السبعة عشر عاما، وكان محمد بن القاسم راجح الميزان في التفكير والتدبير، وفي العدل والكرم، إذا قورن بكثير من الأبطال، وهم لا يكادون يبلغون مداه في الفروسية والبطولة، ولقد شهد له بذلك الأصدقاء والأعداء، وقد سحر الهنود بعدالته وسماحته، فتعلقوا به تعلقا شديدا.
وكان من دأب محمد بن القاسم الثقفي أن يجنح إلى الصلح والسلم ما وسعه ذلك، وقد أوصاه بذلك الحجاج بن يوسف الثقفي، حيث قال له إذا أردت أن تحتفظ بالبلاد فكن رحيما بالناس، ولتكن سخيا في معاملة من أحسنوا إليك، وحاول أن تفهم عدوك، وكن شفوقا مع من يعارضك، وأفضل ما أوصيك به أن يعرف الناس شجاعتك، وأنك لا تخاف الحرب والقتال، وكان محمد بن القاسم يتصف بالتواضع الرفيع، فكان في جيشه من يكبر أباه سنا وقدرا، فلم تجنح نفسه معهم إلى الزهو والمباهاة، ولكنه لم يكن يقطع أمرا إلا بمشورتهم، وقد قام ببناء المساجد في كل مكان يغزوه، وعمل على نشر الثقافة الإسلامية مبسطة ميسرة، وقد ولد محمد بن القاسم الثقفي سنة اثنين وسبعين من الهجره.
وكان ذلك بمدينة الطائف في أسرة معروفة، فقد كان جده محمد بن الحكم من كبار الثقفين، وفي سنة خمسه وسبعين من الهجره، صار الحجاج بن يوسف الثقفي واليا عاما على العراق والولايات الشرقية التابعة للدولة الأموية في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان، فعيّن الحجاج عمّه القاسم واليا على مدينة البصرة، فانتقل الطفل محمد بن القاسم إلى البصرة، حيث يحكمها والده، ثم بنى الحجاج مدينة واسط التي صارت معسكرا لجنده الذين يعتمد عليهم في الحروب، وامتلأت بسكانها الجدد وقوم الحجاج، وفي هذه المدينة وغيرها من العراق نشأ وترعرع محمد بن القاسم وتدرب على الجندية، حتى أصبح من القادة المعروفين وهو لم يتجاوز بعد السبعة عشر عامًا من العمر.
وكان محمد بن القاسم يسمع كثيرا عن بلاد السند، ولم تكن تلك البلاد في ذلك الحين غريبة على المسلمين، فقد كان لهم فيها سابقة من غزوات في عهد الخليفة عمر بن الخطاب والخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنهما، ثم زاد اهتمام العرب ببلاد السند حين قامت الدولة الأموية على يد الخليفة معاوية في سنة أربعين من الهجره، حتى نجح في فتح إقليم مهم بتلك البلاد وهو إقليم مكران، الذي كان يحكمها الولاة الأمويون بعد ذلك بصفة مستمرة، ثم حدث في سنة ثمانى وثمانين من الهجره، أن سفينة عربية كانت قادمة من جزيرة الياقوت وهى بلاد سيلان، وعليها نساء مسلمات، وقد مات آباؤهن ولم يبق لهن راع هناك، فقررن السفر للإقامة في العراق.
ورأى ملك سيلان في ذلك فرصة للتقرب إلى العرب فوافق على سفرهن، بل حمل السفينة بهدايا إلى الحجاج والخليفة الوليد بن عبد الملك، وبينما كانت السفينة في طريقها إلى البصرة مارة بميناء الديبل ببلاد السند، خرج قراصنة من السند واستولوا عليها، وعندئذ كتب الحجاج إلى ملك السند يطلب منه الإفراج عن النساء المسلمات والسفينة، ولكنه اعتذر عن ذلك بحجة أن الذين خطفوا السفينة لصوص لا يقدر عليهم، فبعث الحجاج حملتين على الديبل، الأولى بقيادة عبيد الله بن نبهان السلمي، والثانية بقيادة بديل البجلي، ولكن الحملتين فشلتا، بل قتل القائدان على يد جنود السند، ووصلت الأخبار إلى الحجاج أن النساء المسلمات والجنود العرب مسجونين في سجن الديبل، ولا يريد ملك السند الإفراج عنهم عنادا للعرب.