الدكرورى يكتب عن السمح بن مالك الخولاني ” جزء 2″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
السمح بن مالك الخولاني ” جزء 2″
ونكمل الجزء الثاني مع السمح بن مالك الخولاني، إلا أن السمح حين نزل الأندلس وأطلع على أحوالها، طمأن الخليفة إلى قوة حال المسلمين في الأندلس، وبتكليف من الخليفة، أشرف السمح بن مالك على عملية مسح أراضي الأندلس، وتقدير خمس خراجها، والخراج في الشريعة الإسلامية، هو نوع من الضريبة، حيث تدفع على الأرض وتدفع سنويا بمقدار معين من حاصلاتهم الزراعية أو من أموالهم، وهذا المقدار يسمى خراجا، وكما قام السمح بن مالك ببعض الإصلاحات الإدارية التي نتج عنها تحسن حالة المزارعين، وقد غزا السمح بن مالك سبتمانيا، وافتتح أربونة وقرقشونة ومعظم قواعد سبتمانيا، وسبتمانيا هى ذات المدائن السبع، وقد كانت تشكل الشطر الغربي من مقاطعة نربونة الغالية الرومانية، والتي أصبحت تابعة للقوط بعد ذلك في عهد الملك القوطي ثيودوريك الثاني، وكانت عاصمتها أربونة.
وكانت تضم كلا من مدن قرقشونة، ونيمة، وبيزيرز، وإلن، وآكد، وماجالونة، ولوديفا، وقد عرفت تحت حكم القوط، بغالة، أو المقاطعة النربونية، وفي عصور الفتح الإسلامي للغال فتحها وأسس فيها دولة إسلامية الحاكم السمح بن مالك الخولاني، والذي حكم الأندلس في الفترة من مائه إلى مائه واثنين من الهجره، وأما عن مدينة أربونه، فهى مدينة عريقة في شرق جنوب فرنسا، حيث تطل على البحر المتوسط، وكانت عاصمة إقليم سبتمانيا وهى ذو المدائن السبعة القديم، وأما عن مدينة قرقشونه فهى مدينة فرنسية تاريخية حيث تقع على نهر الأود، وتتميز بحصنها القديم الذي يعود إلى ما قبل العصور الوسطى وتنقسم المدينة إلى قسمين، وهو الجزء التاريخي، وهو الذي يقع داخل الحصن الذي كان يمثل أحد أقوى وسائل الحماية للمدينة ويقع على منطقة مرتفعة من الأرض.
والجزء الآخر، وهو الامتداد الأحدث نسبيا، ويقع خارج السور على السهل الأكثر انخفاضا، ثم توجه السمح بن مالك صوب طولوشة قاعدة أقطانيا، وهى مدينة فرنسية، وقد عرفها العرب باسم طولوشة أو طلوشة وباللهجة الفرنسية المحلية تسمى طولوزة، حيث تقع في جنوب غرب فرنسا بالقرب من الحدود الإسبانية، على ضفاف نهر غارون، وهي رابع مدن فرنسا سكانا بعد باريس ومارسيليا وليون، وكان شعار المدينة لطولوزة دائما المزيد، وهي اليوم من بلديات جنوب فرنسا ومقر إقليم غارون العليا الذي يقع في منطقة ميدي بيرينه، وكانت تولوز تاريخيا عاصمة لانغيدوك، وهى تلقب بالمدينة الزهرية لأن اللبنات المحلية التي شيدت بها مبانيها التقليدية لها هذا اللون، وأما عن أكيتانيا أو أقطانيا فهي إحدى أقاليم فرنسا السبعة والعشرين حيث تقع في جنوب غرب فرنسا على ساحل المحيط الأطلسي.
وفي التاسع من شهر ذي الحجة لسنة مائه واثنين من الهجره، واجه السمح جيشا يفوق قواته عددا بقيادة أودو دوق أقطانيا في معركة هائلة، وانهزم فيها جيش المسلمين، وقتل فيها السمح، واستطاع عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي أن ينسحب بعد المعركة بالجيش إلى سبتمانيا، وكان أودو دوق أقطانيا، هو حكم كل من دوقية أقطانيا شمال نهر غارون، ودوقية غاسكونية في جنوب غرب غالة، فكان نفوذ حكمه يمتد من جبال الأبواب إلى نهر اللوار، وقد اتخذ لقب ملك أقطانيا، وقد اصطدم مع الأمويين على حين غرة، في معركة تولوز سنة مائه واثنين من الهجره، وذلك يوم عرفة، والتي قتل فيها قائد المسلمين ووالي الأندلس السمح بن مالك الخولاني، إلا أنه فشل في استعادة تولوز، بسبب المقاومة العنيفة للمسلمين، وبهذا بقيت المدينة في أيدي المسلمين فترة بعد ذلك.
وكان انتصاره في تولوز ضعيفا، ولهذا لجأ إلى أسلوب آخر غير القتال، وهو محاولة إثارة الفتن في الأندلس، فسار إليه والي الأندلس الجديد عبد الرحمن الغافقي من بنبلونة، حيث كانت له في أودو والفرنجة وقائع جمة إلى أن استشهد عبد الرحمن وعدد كبير من جيشه في موضع يعرف ببلاط الشهداء، وبه عرفت تلك المعركة، وقد ألحق المسلمون بأودو وجيشه هزيمة ساحقة مدمرة في معركة نهر الغارون، حتى قيل “إن الله وحده يعلم عدد القتلى” وقد دفعه ذلك إلى الاستنجاد بكارل مارتل والتحالف معه ضد الدولة الأموية الذين فتحوا مملكته بالكامل، بما فيها عاصمتها بوردو، وكان بنتيجة هذا التحالف، ضم كارل مارتل أقطانيا إلى أملاكه، بعد معركة البلاط، وقد عاد المسلمون مرة أخرة بقيادة والي الأندلس من قبل الدولة الاموية عقبة بن الحجاج السلولي، وافتتحوا القسم الشرقي من أقطانيا.
إلا أن الفتن عادت إلى الأندلس وشمال أفريقيا في أواخر حكم الخليفة الاموي هشام بن عبد الملك، الأمر الذي استغله قارلة، فاستعاد أقطانيا، وكل أقاليم غالة التي فتحها المسلمون، إلا أنه لقي هزيمة على أبواب نربونة، عاصمة إقليم سبتمانيا، أدت إلى صمود هذا الإقليم في ولاء الأمويين فترة بعد ذلك، وأما عن معركة تولوشة أو معركة تولوز، وهي معركة دارت في تولوز بين جيش الدولة الأموية بقيادة السمح بن مالك الخولاني، وقوات دوق أقطانية بقيادة أودو دوق أقطانيا، وانتهت بهزيمة الأمويين ومقتل قائدهم، وقد اختار أهل الأندلس عبد الرحمن الغافقي لتولي أمرهم بصفة غير رسمية إلى أن جاء الوالي الجديد عنبسة بن سحيم الكلبي، وكان عبد الرحمن الغافقى هو والي الأندلس لمرتين، المره الأولى كان عندما قدمه أهل الأندلس واليا عليهم بعد مقتل الوالي السمح بن مالك الخولاني.
إلى أن حضر الوالي المعين من قبل الدولة الأموية عنبسة بن سحيم الكلبي في عام مائه وثلاثه من الهجره، وكانت المره الثانية بتكليف من والي أفريقية عبيد الله بن الحبحاب عام مائه وثلاثة عشر من الهجره، وقد ارتبط اسمه بقيادة المسلمين في معركة بلاط الشهداء الشهيرة وهى تُعرف أيضا باسم معركة تور أو معركة بواتييه، والتي انتهت بانتصار قوات الفرنجة وانسحاب جيش المسلمين بعد استشهاد عبد الرحمن الغافقي.