الدكرورى يكتب عن بيت العنكبوت ” جزء 2″
بقلم / محمـــد الدكـــــرورى
بيت العنكبوت ” جزء 2″
ونكمل الجزء الثاني مع بيت العنكبوت، وإن توضيح مفهوم أوهن البيوت لبيت العنكبوت في الآية الواردة في سورة العنكبوت، فقال الله عز وجل “مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت” فالآية الكريمة تحمل معنى صريحا وواضحا بأن أوهن البيوت هو بيت العنكبوت وأكثرها ضعفا وهشاشة، وقد أكد العلم الحديث أن خيوط شبكة العنكبوت هي مادة مصنوعة من سائل بروتيني يتصلب عند تعرضه للهواء، وأن هذه الخيوط لو اجتمعت في سماكة الإصبع لأصبحت أقوى من الفولاذ بعشرين مرة، ولاستطاعت حمل عشرات الأطنان، ولكن المعنى الذي أشارت إليه الآية الكريمة هو المقصود، وهن وضعف الحالة الأسرية والأخلاقية لبيت العنكبوت، فالحديث في الآية الكريمة عن أنثى العنكبوت.
التي اتخذت بيتا، والتي تأكل الذكر بعد الانتهاء من عملية التلقيح وتأكل أبناءها بعد عملية التفريخ والأبناء يأكل بعضهم بعضا، فالتشبيه لبيان تقطيع الروابط بين الكافرين وما يعبدون من دون الله سبحانه وتعالى، ومن الإشارات الكونية في سورة العنكبوت التأكيد على قدرة الله سبحانه وتعالى في بدء الخلق وإعادة خلقه مرة أخرى، كدورة الحياة والتناسل والموت، وتأمل صفحات الكون من خلال دراسة علوم الأرض للتعرف على بدء الخلق، وأن النشأة في الدار الآخرة ستتبع نفس النظام وتسير في نفس الخطى، وأن بيت العنكبوت هو أوهن وأضعف البيوت على الصعيدين المادي والمعنوي، ولكن الخيط الحريري، الذي تحيك به العنكبوت بتفنن شبكتها، هو في الحقيقة مجموعة خيوط ملتفة على بعضها، فسمك شعرة الإنسان يزيد عن سمك خيط العنكبوت بمئات المرات.
إلا أن هذه الخيوط، اللينة والقابلة للتمطيط بعشرين في المائة من حجمها دون أن تتمزق، ورغم شدة رقتها وشفافيتها، وهى تعد أصلب الألياف الطبيعية على الإطلاق، ولها قوة تحمل للضغط أقوى حتى من قوة تحمل الفولاذ، ولذلك يطلق عليها الفولاذ البيولوجي، وأنثى العنكبوت هي التي تقوم بنسج هذا الخيط الحريري، بواسطة ثلاثة مغازل أسفل البطن، متصلة بغدد صغيرة، تفرز المادة التي تتشكل منها الخيوط، وتقوم أنثى العنكبوت بهندسة الشبكة ونسجها، بمهارة عالية، بخيوط منحنية أو مستقيمة، بترتيب متناسق المسافات فيما بينها، على شكل دائري أو ثلاثي رائع التصميم، حيث تستخدم ضغط بطنها، لتدفع الخيوط الحريرية إلى خارج الغدد الست الموجودة في بطنها، وتقوم بربط طرف الخيط الأول، المعروف باسم الجسر، بساق عشبة ما.
أو ورقة شجر، ثم تهبط إلى الأرض مع الخصلة، وهي مستمرة بعملية الحياكة، ثم تنزل إلى الأرض وتصعد إلى نقطة أخرى مرتفعة، لتسحب الخيط بقوة، وتربطه في مكانه جيدا باستخدام مادة لاصقة تخرج من إحدى غددها أيضا، وهكذا هو دور العنكبوت، فكانت وهذه وقفة مع قضية من أخطر القضايا الأسرية، نشخص فيها ظاهرة من أخطر الظواهر الاجتماعية التي لها آثارها السلبية على الأفراد والأسر والمجتمع والأمة، تلكم هي ظاهرة التفكك الأسري والخلل الاجتماعي الذي يوجد في كثير من المجتمعات اليوم، مما يُنذر بشؤم خطير وشر مستطير، يُهدد كيانها، ويزعزع أركانها، ويصدّع بنيانها، ويُحدث شروخا خطيرة في بنائها الحضاري ونظامها الاجتماعي، مما يهدد البُنى التحتية لها، ويستأصل شأفتها، وينذر بهلاكها وفنائها، فيجب أن نعلم أن الترابط الأسري والتماسك الاجتماعي ميزة كبرى من مزايا شريعتنا الغراء، وخصيصة عظمى من خصائص مجتمعنا المسلم المحافظ، الذي لحمته التواصل، وسُداه التعاون والتكافل.