الدكرورى يكتب عن موقف الشرع من الجدال ” جزء 3″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
موقف الشرع من الجدال ” جزء 3″
ونكمل الجزء الثالث مع موقف الشرع من الجدال، ومن سمات هذا النوع أن صاحبه يبحث دائما عن نقاط الاتفاق ويبنى عليها، ولا يركز على مواطن الخلاف ليقيم عليها، فتتسع الفجوة وتزداد الهوة وينشأ التنافر، بما يفضى فى النهاية الى الكراهية والخصام، وأما عن الجدال المحظور والمذموم وهو الذى يغلب على أصحابه حب النفس واتباع الهوى من أجل إشباع عريزة الحاجة الى الظهور والتميز عن الاخرين، فيغلب عليهم التعصب الاعمى ويسيطر عليهم الغضب، مما يفضى فى النهاية الى المنازعة والمخاصمة، وربما ادى الى أسواء من ذلك، ويشيع هذا النوع بين عامة الناس وبسطائهم الذين لم يحصّلوا قدرا كافيا من العلم والثقافة، فما أن يطرح أحدهم موضوعا ما إلا ويسارع المحيطين بإدلاء آرائهم وطرح أفكارهم.
وبنفس السرعة يتحول الحضور الى فريقين مؤيد ومعارض، ويسير الجدال فى مثل هذه الظروف فى عدة مراحل من السئ الى الاسوأ، فيحاول كل طرف أن يثبت تفوقه وأن رأيه صواب لا يحتمل الخطأ وأن رأى الطرف الاخر خطأ لا يحتمل الصواب، وان كان فى الجلسة أكثر من اثنين تحول الامر الى فوضى، كما لو كانت سوقا مملؤا بالصخب والضجيج، حيث يتسابق الجميع الى الكلام ومن ثم تعلوا الاصوات وتتداخل، وإن لاح لأحد الطرفين أن نظيره أقوى حجة منه وأبين دليلا منه، سارع بالنيل من الاخر والتجريح فى شخصه، والتقليل من شأنه بسخرية واستهزاء، محاولا صرف الانظار بعيداً عن الموضع حتى يتسنى له الظهور عليه، وأما الطرف المستهان به فلن يرضخ لمثل ذلك، فتراه تارة يدفع عن نفسه وأخرى يهاجم الاخر بمثل صنيعه.
وقد دخل رجلان على محمد بن سيرين من أهل الأهواء، فقالا يا أبا بكر، نحدثك بحديث ؟ قال لا، قال فنقرأ عليك آية من كتاب الله عز وجل؟ قال ” لا، لتقومن عني أو لأقومنه ” وأما عن شروط الجدال المباح فهى إظهار التجرد، والتعقل أثناء الجدال، وتركُ العناد، واتباع الهوى، وجدال الطرف المقابل بالتي هي أحسن، فيكون ذلك بالرفق واللّين، وترك التعالي والغرور، فإن كان ذلك في الجدال كان مذموماً، كونه سيؤدي إلى العديد من المفاسد، والأضرار، وكذلك العلم بموضوع الجدال، والبصيرة فيه، وإن لم يكن ذلك فإن الجدال يكون مذموما ممقوتا، وأيضا رجاء الفائدة، والجدوى من الحوار، ومن تلك الفوائد دفعُ الضرر، أو جلب الخير، أو المنفعة، والحرص على أن يكون موضوع النقاش ذا قيمة، والبحث في جوهر الأمور، وترك التشعب في جزئياتها.
وثناياها، وعدم الحياد إلى النقاط الفرعية، فأطراف الحوار هنا يبحثون عن نقاط الاتفاق، لا العكس، وينقسم الجدال، إلى أقسام كثيرة فمنها ما هو كفر بالله تعالى، ومنها ما يوجب النار عياذا بالله تعالى، ومنها ما هو علامة على الضلال، ومنها ما يورث العداوة ويقطع المودة، ومنها ما يولد الكبر في قلب صاحبه، ولقد صرح القرآن الكريم بأن الإنسان بطبعه مجادل برغم وجود الحجج والبراهين الدامغة والآيات الساطعة والأمثلة المتعددة، والدافع من الجدال والمراء هو الكبر في نفوس بعض هؤلاء، وهو كبر يمنعهم من قبول الحق والعمل به، وهكذا كانت تعيش الصحابة الكرام والرعيل الاول بعيدا عن المراء والرياء، ولم يحدد العلماء عدد الصحابة بدقة، بل ذكروا أنهم يزيدون على المائة ألف صحابي، وكلهم لهم الفضل والسبق، إلا أنهم يتفاضلون فيما بينهم.
وقد وردت الكثير من الآيات الصريحة ، والأحاديث الصحيحة في فضائل الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، والثناء عليهم، فقال الله عز وجل فى كتابه الكريم فى سورة التوبه “والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعدَّ لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم” وقال الله سبحانه وتعالى فى سورة الفتح “لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزا حكيما” وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، قال” خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، ثم يجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته” رواه البخارى ومسلم، فهؤلاء هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضى عنهم أجمعين، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم على أثرهم، وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم وسيرهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم.