أخبار سياسية - اقتصادية - فنية - رياضية - عربية - دولية

موقف الشرع من الجدال ” جزء 1″

الدكرورى يكتب عن موقف الشرع من الجدال ” جزء 1″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

موقف الشرع من الجدال ” جزء 1″

إن الجدال على النحو مجلبة للعداوة وذريعة للكذب وبابا من أبواب الفتنة واتباع الهوى وسببا من اسباب التفكك الإجتماعى، والجدال هو المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة، وأصله من جدلت الحبل، أي أحكمت فتله ومنه الجدال، فكأن المتجادلين يفتل كل واحد الآخر عن رأيه، وقيل أن الأصل في الجدال هو الصراع وإسقاط الإنسان صاحبه على الجدالة، وهي الأرض الصلبة، وإن ترك الجدال والمراء والخصومات محمود شرعا، وخاصة إذا كان ذلك في الدين، ومع أهل الأهواء والبدع، وقد وردت في ذلك بعض الأحاديث والآثار، ومنها قول النبي صلى الله عليه وسلم ” أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه” رواه أبو داود.

والمراء هو الجدال، وإن من جراء التعصب الذى يؤل الى التنابز والتنافر وتنامى الحقد والكراهية، قد قال ابن عباس رضي الله عنهما ” كفى بك ظلما ألا تزال مخاصما، وكفى بك إثما ألا تزال مماريا ” وكان الحسن البصرى إذ سمع قوما يتجادلون قال ” هؤلاء ملوا العبادة، وخف عليهم القول وقل ورعهم فتكلموا ” وقد روى الآجرى بسنده عن مسلم بن يسار رحمه الله أنه قال ” إياكم والمراء، فإنه ساعة جهل العالم، وبها يبتغي الشيطان زلته” وقال القرطبي رحمه الله عن الجدال ” الجدال وزنه فعال من المجادلة، وهي مشتقة من الجدل وهو الفتل، ومنه زمام مجدول” وقيل أن الجدال هي مشتقة من الجدالة التي هي الأرض، وإن الجدال من آثاره هو تغليف القلب بالقسوة ونزوع الخشية، وكراهية الحق فى جانب المغلوب، وتنامى الغرور والكبر فى جانب الغالب.

فضلا عما يجلبه للنفس من هم وغم، وذلك من حيث أنه شهوة النفس إذا ثارت لابد من إشباعها، وإلا أصابت صاحبها بالتوتر والقلق اللذان يؤلان الى الكدر والحزن، وقال ابن عباس لمعاوية رضي الله عنهما ” هل لك في المناظرة فيما زعمت أنك خاصمت فيه أصحابي ؟ قال وما تصنع بذلك ؟ أشغب بك وتشغب بي، فيبقى في قلبك ما لا ينفعك، ويبقى في قلبي ما يضرك ” وقال ابن أبي الزناد ” ما أقام الجدل شيئا إلا كسره جدل مثله ” والجدال نوعان، وهما جدال محمود، وهو الجدال الذي يكون هدفه وغايته إظهار الحق، وتقريره، ويكون ذلك بإقامة الحجّة، والدليل، والبراهين التي تدل على صدق الحق، وهذا الجدال أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال الله تعالى “ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنه، وجادلهم بالتى هى أحسن”

ومن أمثلة هذا الجدال هو جدال ابن عباس الخوارج، وكان ذلك فى زمن علي بن أبي طالب، وإقامة الحجة عليهم، وجدال الإمام أحمد للمعتزلة، وجدال ابن تيمية أهل البدع، وأما عن الجدال المذموم، وهو الجدال الذي يكون الهدف منه تقرير الباطل بعد أن ظهر الحق، أو طلب الجاه، والمال، وقد حذرت النصوص من هذا الضرب من الجدال، منها وله تعالى “ومن الناس من يجادل فى الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير” ومنها جدال المماراة بغية مجاراة العلماء، ومماراة السفهاء، وإرادة لانتصار قوله، وأيضا من أنواع الجدال الجاز، وهو الجدال لتثبيت الحق ودحض الشبهات ومنه جدال النبي صلى الله عليه وسلم لقومه لبيان سبيل الحق وكشف ما عندهم من الشبهات، وهذا النوع من الجدال أحيانا يكون واجبا، وأحيانا يكون مستحبا.

فيكون واجبا إذا أثيرت الشبهات في وجه الإسلام، وقام بعض الناس بتزييف الحقائق لطمس معالم الإسلام، أو لتشويه صورته، فقيل هنا تجب المجادلة لتبيين حقائق الإسلام، وكشف زيف خصومه، ومع ذلك فإن المجادلة والحال هكذا يجب أن تكون بالتي هي أحسن كما أمر ربنا تبارك وتعالى، فليس فيها شيء من السب والشتم، بل ليس فيها إلا إظهار الحق وتبينه للناس، وقد يكون الجدال مستحبا لدعوة غير المسلمين للإسلام، وذلك ببيان ما هم عليه من سوء الديانة وفساد المعتقد، وتحريف ما بين أيديهم من الكتاب إذا كانوا أهل كتاب، مع بيان دين الله تعالى وذلك أيضا لا يكون إلا بالتي هي أحسن كما أمر ربنا تبارك وتعالى، وأما النوع المباح من الجدال، الذى يشيع بين العامة فقد رغب النبى صلى الله عليه وسلم فى تركه.