الدكرورى يكتب عن حياة الرعيل الأول فى المدينة “جزء 4”
بقلم/ محمــــد الدكـــــرورى
حياة الرعيل الأول فى المدينة “جزء 4”
ونكمل الجزء الرابع مع حياة الرعيل الأول فى المدينة، وأما عن جهاد الشيطان، فهو مرتبتان إحداهما، جهاده على دفع ما يلقي إلى العبد من الشبهات والشك في الإيمان، وكذلك جهاده على دفع ما يلقي إليه من الإرادات الفاسدة والشهوات، فالجهاد الأول يكون بعده اليقين والثاني يكون بعده الصبر وقد قال الله تعالى “وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بأياتنا يوقنون” فأخبر الله عز وجل، أن إمامة الدين إنما تنال بالصبر واليقين، فالصبر يدفع الشهوات والإرادات الفاسدة، واليقين يدفع الشكوك والشبهات، وأما جهاد أرباب الظلم والبدع والمنكرات فثلاث مراتب الأولى، وهى باليد إذا قدر، فإن عجز انتقل إلى اللسان، فإن عجز جاهد بقلبه.
فهذه ثلاثة عشر مرتبة من الجهاد، ومن مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق، وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله ” الجهاد أقسام، بالنفس، والمال، والدعاء، والتوجيه والإرشاد، والإعانة على الخير من أي طريق، وأعظم الجهاد هو الجهاد بالنفس، ثم الجهاد بالمال والجهاد بالرأي والتوجيه، والدعوة كذلك من الجهاد، فالجهاد بالنفس أعلاها، وقد قال ابن القيم في زاد المعاد، أن النبى صلى الله عليه وسلم، أول ما أوحى إليه ربه تبارك وتعالى أن يقرأ باسم ربه الذي خلق وذلك أول نبوته فأمره أن يقرأ في نفسه ولم يأمره إذ ذاك بتبليغ، ثم أنزل عليه “يا أيها المدثر قم فأنذر” فنبأه بقوله “اقرأ ” وأرسله بقول “يا أيها المدثر ”
ثم أمره أن ينذر عشيرته الأقربين، ثم أنذر قومه، ثم أنذر من حولهم من العرب، ثم أنذر العرب قاطبة، ثم أنذر العالمين، فأقام بضع عشرة سنة بعد نبوته ينذر بالدعوة بغير قتال ولا جزية ويؤمر بالكف والصبر والصفح، ثم أذن له في الهجرة، وأذن له في القتال، ثم أمره أن يقاتل من قاتله ويكف عمن اعتزله، ولم يقاتله، ثم أمره بقتال المشركين حتى يكون الدين كله له سبحانه، ثم كان الكفار معه بعد الأمر بالجهاد ثلاثة أقسام، وهم أهل صلح وهدنة، وأهل حرب، وأهل ذمة، يقول ابن قدامة في المغني، والجهاد فرض على الكفاية، إذا قام به قوم، سقط عن الباقين، ومعنى فرض الكفاية الذي إن لم يقم به من يكفي أثم الناس كلهم وإن قام به من يكفي سقط عن سائر الناس.
فالخطاب في ابتدائه يتناول الجميع كفرض الأعيان، ثم يختلفان في أن فرض الكفاية يسقط بفعل بعض الناس له، وفرض الأعيان لا يسقط عن أحد بفعل غيره والجهاد من فروض الكفايات، في قول عامة أهل العلم، ويقول بن باز في فتاوى ابن باز، أن الجهاد فرض كفاية لا فرض عين، وعلى جميع المسلمين أن يجاهدوا في نصر إخوانهم بالنفس والمال والسلاح والدعوة والمشورة، فإذا خرج منهم من يكفي، وسلم الجميع من الإثم، وإذا تركوه كلهم أثموا جميعا، فعلى المسلمين أن يبذلوا طاقتهم، والأقرب فالأقرب، فإذا حصلت الكفاية من البعض أو أكثر، فقد سقط عن الباقين.
فهكذا كانت الصحابه فهم خير الناس بعد الأنبياء والمرسلين، علما وعملا وتصديقا وصحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وجهادا في سبيل الله والدعوة إلى دينه، وسبقا إلى كل خصلة جميلة، فبلغوا الغاية في العلم والفضل والمعروف منزلة لم يبلغها أحد قبلهم ولا بعدهم، فقد اصطفاهم الله تعالى، لتلقي التنزيل، وصحبة النبي صلى الله عليه وسلم، والعمل بالدين القويم، فكانوا في جميع أمور حياتهم على الصراط المستقيم، فأثنى الله عليهم بحسن الإيمان، وسلامة المنهاج، وسداد القول، وصالح العمل، وكمال الخلق، وأخبر برضاه عنهم، ووعدهم بجنات النعيم، وقد اجتمع لهم تزكية الله تعالى وثناؤه، ومحبة نبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وذكره لفضائلهم.