الدكرورى يكتب عن خالد بن عبد الله القسري “جزء 4”
بقلم / محمــــد الدكــــرورى
خالد بن عبد الله القسري “جزء 4”
ونكمل الجزء الرابع مع خالد بن عبد الله القسري، فأنشأت فيه شعرا تقول إليك يا بن السادة المواجد، يعمد في الحاجات كل عامد، فالناس بين صادر ووارد، مثل حجيج البيت نحو خالد، وأنت يا خالد خير والد أصبحت عبد الله بالمحامد، مجدك قبل الشمخ الرواكد، ليس طريف الملك مثل التالد، فقال لها خالد حاجتك كائنة ما كانت، فقالت أصلح الله الأمير، أناخ علينا الدهر بجرانه، وعضنا بنابه، فما ترك لنا صافنا ولا ماهنا، فكنت المنتجع وإليك المفزع، فقال لها خالد هذه حاجة لك دوننا، فقالت له والله لئن كان لي نفعها إن لك لأجرها وذخرها مع أن أهل الجود لو لم يجدوا من يقبل العطاء لم يوصفوا بالسخاء، فقال لها خالد أحسنت، فهل لك من زوج ؟ فقالت لا، وما كنت لأتزوج دعيا وإن كان موسرا غنيا، وما كنت أشتري عارا يتقى بمال يفنى.
وإني بجزيل مال الأمير لغنية، فأمر لها بعشرة آلاف درهم، وقد قال الأصمعي لما حرم خالد البجلي الغناء دخل إليه ذات يوم حنين بن بلوع وهو شيخ المغنين بالعراق، مشتملا على عوده، فلما لم يبق في المجلس من يحتشم منه قال أصلح الله الأمير إني شيخ كبير السن ولي صناعة كنت أعود بها على عيالي وقد حرمتها، فقال خالد وما هي ؟ فكشف حنين عوده وغنى أيها الشامت المعير بالشيب ، أقلن بالشباب افتخارا، قد لبسنا الشباب غضا جديدا، فوجدنا الشباب ثوبا معارا، فبكى خالد حتى علا نحيبه ورق وارتجع وقال قد أذنت لك ما لم تجالس معربدا ولا سفيها، وكان حنين بعد ذلك إذا دعي يقف على الباب ويقول أفيكم معربد أفيكم سفيه ؟ فإذا قالوا لا دخل، وقيل أنه تفقد خالد بن عبد الله سجنه، فوجد فيه يزيد البجلي.
فقال له خالد في أي شيء حبست يا يزيد ؟ فقال في تهمة أصلح الله الأمير، قال خالد تعود إن أطلقتك ؟ فقال نعم أيها الأمير وكره أن يصرح بالقصة أو يومي إليها فيفضح معشوقته لكي لا ينالها أهلها بمكروه، فقال خالد لأولياء الجارية أحضروا رجال الحي حتى نقطع كفه بحضرتهم وكان ليزيد أخ فكتب شعرا ووجه به إلى خالد بن عبد الله البجلي، أخالد قد أنطيت والله غشوة، وما العاشق المسكين فينا بسارق، أقر بما لم يأته المرء أنه رأى، القطع خيرا من فضيحة عاشـق، ولولا الذي قد خفت من قطع كفه، لألفيت في أمر الهوى غير ناطق، إذا بدت الرايات للسبق في العلى، فأنت ابن عبد الله أول سابق، فلما قرأ خالد الأبيات علم صدق قوله، فأحضر أولياء الجارية فقال لهم تزوجوا يزيد فتاتكم، فقالوا أما وقد ظهر عليه ما ظهر فلا.
فقال خالد لئن لم تزوجوه طائعين لتزوجنه كارهين، فزوجوه ونفذ خالد المهر من عنده، وقال المبرد أيضا جلس خالد بن عبد الله القسري ذات يوم للعرض، فأتي بشاب قد أخذ في دار قوم، وادعوا عليه السرق، فسأله عما حكي عنه، فأقر بالتهمة، فأمر خالد بقطع يده، فإذا جارية قد أتته لم يرى أحسن منها وجها، فدفعت إلى خالد رقعة كان فيها شعرا فقالت، أخالد قد أوطأت والله عشوة، وما العاشق المسكين فينا بسارق، أقر بما لم يجنه غير أنه، رأى القطع أولى من فضيحة عاشق، قال فسأله خالد عن أبيها، فأحضره وزوجها من الشاب، ودفع مهرها من عنده عشرة آلاف، وقد قيل إن خالد البجلي كان يستعين في بني قومه من بجيلة في إدارة شؤون الولاية، ومنهم شقيقه أسد الذي أستعمله واليا على خراسان مرتين، وجعل على الشرطة بعهده السمط بن مسلم البجلي.
وأبان بن الوليد البجلي وإسماعيل بن أوسط البجلي وعبد الله بن عمرو البجلي، وضبيس بن عبد الله البجلي، وغيرهم، وأما عن مقتل خالد بن عبد الله، فكان لما ولي الوليد بن يزيد استقدم خالدا وقال أين ابنك قال هرب من هشام وكنا نراه عندك حتـى استخلفـك الله فلم نره وطلبناه ببلاد قومه من الشراة فقال ولكن خلفته طلبا للفتنة فقال إنا أهل بيت طاعة، فقال لتأتيني به أو لأزهقن نفسك، فقال والله لوكان تحت قدمي ما رفعتهما عنه، فأأمر الوليد بضربه، ولما قدم يوسف بن عمر من العراق بالأموال فقد اشتراه من الوليد بخمسين ألف ألف، فقال له الوليد إن يوسف يشتريك بكذا فاضمنها لي قبل أن أدفعك إليه، فقال ما عهدت العرب تباع والله لو سألتنى عودا ما ضمنته، فدفعه إلى يوسف فألبسه عباءة وحمله على غير وطاء وعذبه عذابا شديدا وهو لا يكلمه،
ثم حمله إلى الكوفة فاشتد في عذابه ثم قتله ودفنه فى عباءه ويقال أنه قتله بشيء وضعه على وجهه وقيل وضع على رجليه الأعواد وقام عليها الرجال حتى تكسرت قدماه، وكان ذلك في شهر المحرم فى عام مائه وستة وعشرين من الهجره، وفى النهايه نقول أنه قد كان خالد بن عبدالله القسري من عمال بني أمية، وقد غضب لله تعالى وغار من كفر عدو الله الجعد بن درهم، حيث زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ولا كلم موسى تكليما، فقتله غضبا لله وغيرة وحمية فأقره على ذلك وشكره عليه جميع أهل السنة، فكان إجماعا، ولا يلزم من ذكر الإجماع على مسألة أو قضية أو فتوى أن يبعث إلى جميع الأمة ويشاورهم على فعلها، ولا يكون إجماعا إلا ما كان كذلك، وهذا لم يقله أحد من العلماء، بل الذي ذكر أهل العلم أن الصحابي أو الواحد من العلماء.
إذا قال قولا أو قضى بقضية فانتشرت وظهرت ولم يكن لها مخالف من الصحابة، أو فعل ذلك أحد من التابعين ولم يعرف له مخالف، أن ذلك إجماع، وقد اشتهر قتل خالد بن عبدالله القسري لجعد عدو الله ولم ينكره أحد من التابعين ولا من بعدهم من العلماء، ولم يُعرف في ذلك مخالف، فكان إجماعا.