مستقبل الشعب في سوريا وسط التدخل الإسرائيلي وصراع السلطة: اّمال وتحديات
عبدالحميد الطحاوي: باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية
شهدت الساحة السورية تطورات متسارعة ومفاجئة خلال الأيام القليلة الماضية، حيث دخلت القوات الإسرائيلية عمق الأراضي السورية بعد أن استولت على منطقة عازلة جنوب البلاد وشنّت غارات جوية مكثفة استهدفت منشآت عسكرية وقواعد جوية سورية. هذه التطورات تأتي في أعقاب الإطاحة المفاجئة بالرئيس بشار الأسد على يد تحالف معارض، مما ترك المنطقة والعالم في حالة ترقب وقلق بشأن ما سيحدث بعد ذلك.
التدخل الإسرائيلي: الأسباب والتداعيات
وفقًا لمصادر أمنية سورية، تقدمت القوات الإسرائيلية إلى مسافة حوالي 25 كيلومترًا جنوب غرب دمشق، تحديدًا إلى منطقة قطنا. يأتي هذا التقدم بعد عمليات قصف جوي مكثفة شملت أكثر من 200 غارة، أدت إلى تدمير كامل لأصول الجيش السوري بما في ذلك الطائرات المروحية والمقاتلات ومنشآت الحرس الجمهوري في محيط دمشق.
ورغم أن إسرائيل نفت نيتها التدخل المباشر في الصراع السوري، مشيرة إلى أن ما قامت به هو إجراء دفاعي لحماية أمنها، إلا أن تحركاتها أثارت إدانة واسعة من دول عربية مثل مصر والسعودية وقطر، التي وصفت الخطوة بأنها تقوّض فرص استعادة سوريا للاستقرار. في المقابل، يرى محللون أن هذا التدخل يزيد من تعقيد المشهد السوري، الذي بات مفتوحًا على احتمالات عديدة.
الإطاحة بالأسد: نقطة تحول تاريخية
الإطاحة المفاجئة ببشار الأسد جاءت بعد 13 عامًا من الصراع الذي أدى إلى مقتل مئات الآلاف وتشريد الملايين داخل وخارج البلاد. التحالف المعارض، بقيادة هيئة تحرير الشام، استطاع تحقيق انتصارات حاسمة خلال 12 يومًا فقط، ما أثار صدمة على المستويين الإقليمي والدولي. هذه الإطاحة ليست مجرد سقوط لنظام، بل هي نقطة تحول تعيد تشكيل المشهد السياسي والاجتماعي في سوريا والمنطقة.
فرار الأسد إلى موسكو يؤكد النهاية الفعلية لحقبة طويلة من حكم عائلته، الذي استمر لأكثر من 50 عامًا. وقد شهدت دمشق احتفالات بتحول السلطة إلى حكومة إنقاذ بقيادة المعارضة، وهو ما يفتح الباب أمام مرحلة انتقالية جديدة قد تكون مليئة بالتحديات.
الحكومة الانتقالية والمخاوف المستقبلية
اتفق رئيس الوزراء السوري السابق محمد الجلالي مع المعارضة على تسليم السلطة إلى حكومة انتقالية بقيادة المعارضة. ومن المتوقع أن تتولى حكومة الإنقاذ، بقيادة محمد البشير، إدارة المرحلة المقبلة. هذه الخطوة تُعد تطورًا كبيرًا، لكنها تثير العديد من التساؤلات حول قدرة المعارضة على إدارة دولة منهكة بالحرب وخلق نموذج سياسي جديد يجمع شتات المجتمع السوري.
ورغم تعهد المعارضة بإعادة بناء البلاد ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم، إلا أن غياب خطة واضحة للتعامل مع التحديات الاقتصادية والاجتماعية يعقد المشهد. كما أن الدور البارز لهيئة تحرير الشام، المصنفة كمنظمة إرهابية من قبل العديد من الدول، يثير مخاوف بشأن مدى قبول المجتمع الدولي لهذه الحكومة.
التداعيات الإقليمية والدولية
التطورات الأخيرة في سوريا لا تؤثر فقط على الداخل السوري، بل تمتد تداعياتها إلى المستوى الإقليمي والدولي. ارتفاع أسعار النفط بنسبة 1% يُعد مؤشرًا على القلق المتزايد من أن تؤدي هذه الأحداث إلى تصعيد التوترات في المنطقة.
الدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة وروسيا، تجد نفسها أمام مشهد جديد يستدعي إعادة تقييم مواقفها. فبينما كانت روسيا الداعم الرئيسي لنظام الأسد، فإن سقوطه المفاجئ يعيد ترتيب الأوراق في المنطقة. الولايات المتحدة من جهتها بدأت محاولات للتواصل مع المعارضة السورية وشركاء إقليميين مثل تركيا، في محاولة لفهم توجهات الحكومة الجديدة وبحث سبل التعاون.
مستقبل الشعب السوري: بين الأمل والمخاوف
بالرغم من الإطاحة بالنظام القديم والوعود بإعادة بناء البلاد، لا يزال الشعب السوري يواجه تحديات هائلة. المدن السورية مدمرة، والاقتصاد منهار، والمجتمع منقسم. العودة إلى الحياة الطبيعية تتطلب جهودًا جبارة واستقرارًا سياسيًا وأمنيًا لا يبدو قريب المنال.
التحدي الأكبر هو إعادة بناء الثقة بين مكونات المجتمع السوري وضمان حقوق جميع الفئات، بما في ذلك الأقليات التي تخشى من تهميشها في ظل الحكومة الجديدة. كما أن الحاجة إلى دعم دولي لإعادة الإعمار وإطلاق عملية سياسية شاملة تبقى ضرورة ملحة.الانعكاسات الإقليمية: ماذا تعني الأحداث بالنسبة لمصر؟
التغيرات المتسارعة في سوريا سيكون لها تأثيرات كبيرة على مصر، التي لطالما كانت لاعباً رئيسياً في دعم الاستقرار الإقليمي. تعتبر مصر أن استقرار سوريا جزء لا يتجزأ من استقرار الشرق الأوسط، خاصة وأن سوريا تشترك في علاقات سياسية وأمنية مع العديد من الدول المؤثرة في المنطقة.
التهديد الأمني:
إن تمدد الوجود الإسرائيلي داخل الأراضي السورية قد يؤدي إلى تصعيد محتمل مع إيران وحلفائها، مما قد يخلق حالة من عدم الاستقرار الإقليمي قد تمتد آثارها إلى مصر. فالاضطرابات الجديدة قد تعزز من نشاط الجماعات الإرهابية التي تسعى لاستغلال الفوضى.
الاقتصاد والطاقة:
على الرغم من أن سوريا ليست منتجاً رئيسياً للنفط، إلا أن عدم الاستقرار فيها قد يؤدي إلى زيادة التوترات في المنطقة، مما يؤثر على أسعار النفط والغاز العالمية. وهذا سيكون له تأثير مباشر على مصر، التي تعتمد بشكل كبير على استيراد الطاقة.
الدبلوماسية الإقليمية:
قد تجد مصر نفسها مضطرة إلى لعب دور أكبر في التوسط بين الأطراف المتنازعة أو في التنسيق مع الدول الكبرى كروسيا وتركيا لضمان عدم انزلاق المنطقة إلى صراع أوسع.