مستقبل مصر الاقتصادي وفرص التنمية في الدول الإفريقية
بقلم/عبدالحميد الطحاوي– باحث صحفي مختص بالشؤون الإفريقية
تتجه مصر نحو تعميق التعاون مع إفريقيا كجزء من استراتيجيتها الإقليمية، وبفضل خبرتها وموقعها، يمكنها أن تصبح جسرًا يربط بين القطر الإفريقي والسوق العالمي، حيث يمثل ذلك فرصة مزدوجة لتعزيز النمو الاقتصادي المصري وتحقيق ازدهار مشترك مع الدول الإفريقية.
ويعتمد مستقبل مصر الاقتصادي على تبني استراتيجيات مرنة تعزز التعاون الإقليمي والدولي، وتوفر الدول الإفريقية فرصًا هائلة يمكن استغلالها لتحقيق تنمية مستدامة، مع تجاوز التحديات القائمة، يمكن لهذه الشراكات أن تكون نموذجًا للتكامل الناجح بين الدول الإفريقية
ركائز التنمية في الإقتصاد المصري
يرتبط مستقبل مصر الاقتصادي بشكل وثيق بالتحولات الإقليمية والعالمية حيث تمثل مصر دولة محورية ذات موقع جغرافي استراتيجي يربط بين القارات الثلاث آسيا وإفريقيا وأوروبا هذا الموقع جعلها مركزًا للتجارة الدولية عبر العصور إضافة إلى ما تمتلكه من موارد طبيعية وبشرية هائلة يمكن استغلالها لتحقيق تنمية مستدامة في ظل التغيرات الراهنة تسعى مصر إلى تعزيز مكانتها الاقتصادية من خلال تطوير بنيتها التحتية وزيادة الاستثمارات في القطاعات الواعدة وتحقيق التكامل الاقتصادي مع الدول الإفريقية التي تمثل عمقًا استراتيجيًا لها ومن بين هذه الدول الجابون وإريتريا والصومال وليبيا التي تمتلك فرصًا هائلة للتنمية إذا ما أُحسن استغلالها من خلال شراكات مستدامة
الاقتصاد المصري يمر بمرحلة تحول كبرى في إطار رؤية مصر 2030 التي تهدف إلى تحقيق تنمية شاملة ومستدامة على مختلف الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية حيث تهدف الرؤية إلى زيادة مساهمة القطاعات الإنتاجية مثل الصناعة والزراعة في الناتج المحلي الإجمالي وتعزيز الاستثمار في البنية التحتية مثل الطرق والموانئ والمطارات فضلاً عن استغلال الموارد الطبيعية مثل الغاز الطبيعي والطاقة المتجددة والسياحة
كما تولي الدولة اهتمامًا كبيرًا بالتحول الرقمي والشمول المالي كأدوات لدفع عجلة النمو الاقتصادي وتشجيع الابتكار وتوفير فرص العمل للشباب ومع كل هذا تسعى مصر إلى تعزيز مكانتها كمركز إقليمي للتجارة والطاقة خاصة بعد الاكتشافات الكبيرة في مجال الغاز الطبيعي وتوسع استثماراتها في مجال الطاقة الشمسية والرياح وهو ما يفتح آفاقًا جديدة للتعاون مع الدول الإفريقية التي تتمتع بإمكانات مشابهة في هذا المجال
فرص التنمية في دول إفريقيا: الجابون واريتريا بين الموارد والتحديات
الدول الإفريقية مثل الجابون وإريتريا تمثل فرصًا كبيرة للتنمية الاقتصادية المشتركة حيث تمتلك هذه الدول موارد طبيعية هائلة مثل المعادن والنفط والغاز بالإضافة إلى مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية الخصبة والثروات البحرية التي يمكن استغلالها لتلبية احتياجات الأمن الغذائي لدول المنطقة لكن على الرغم من هذه الإمكانات تواجه هذه الدول تحديات كبيرة مثل ضعف البنية التحتية والافتقار إلى التكنولوجيا المتقدمة وعدم الاستقرار السياسي في بعض الأحيان وهو ما يتطلب شراكات استراتيجية مع دول أكثر استقرارًا وخبرة مثل مصر لتعظيم الاستفادة من هذه الموارد ودفع عجلة التنمية
بالنسبة للجابون تعد هذه الدولة من أكثر الدول الإفريقية غنى بالموارد الطبيعية حيث تمتلك احتياطيات كبيرة من النفط والأخشاب والمعادن إضافة إلى مساحات واسعة من الغابات التي تُعتبر رئة للقارة الإفريقية يمكن لمصر أن تلعب دورًا كبيرًا في تطوير هذه الموارد من خلال تقديم خبراتها في مجال التكنولوجيا الزراعية والصناعات التحويلية كما يمكن لمصر أن تسهم في تحسين البنية التحتية للجابون من خلال تنفيذ مشاريع مشتركة في مجالات النقل والطاقة خاصة وأن مصر تمتلك خبرة واسعة في تطوير مشروعات البنية التحتية الكبرى مثل قناة السويس الجديدة ومحطات الطاقة الشمسية
أما إريتريا فهي دولة تتمتع بموقع استراتيجي مهم على البحر الأحمر يجعلها بوابة للتجارة البحرية مع آسيا وأوروبا وإفريقيا ورغم مواردها الطبيعية الواعدة في مجالات الزراعة والصيد البحري والمعادن إلا أنها تعاني من تحديات تتعلق بالبنية التحتية وضعف المؤسسات الاقتصادية يمكن لمصر أن تقدم الدعم لإريتريا من خلال نقل التكنولوجيا وبناء القدرات البشرية وتنفيذ مشاريع مشتركة في مجالات الزراعة واستغلال الثروات البحرية كما يمكن لمصر أن تسهم في تطوير الموانئ الإريترية لتصبح مركزًا إقليميًا للتجارة وهو ما يعزز التعاون الاقتصادي بين البلدين
الصومال أيضًا تمتلك إمكانات هائلة على الرغم من التحديات الأمنية والسياسية التي تواجهها فهي تتمتع بسواحل طويلة على المحيط الهندي تجعلها غنية بالثروات السمكية والموارد البحرية إضافة إلى أراضٍ زراعية خصبة يمكن أن تسهم في تحقيق الأمن الغذائي في المنطقة يمكن لمصر أن تستفيد من هذه الفرص من خلال تقديم الدعم في مجالات التعليم وبناء القدرات وتطوير القطاعات الإنتاجية خاصة في مجالات الزراعة والثروة السمكية كما يمكن أن تلعب الشركات المصرية دورًا مهمًا في إعادة بناء البنية التحتية للصومال وهو ما يفتح آفاقًا للتعاون الاقتصادي المستدام
أما ليبيا فهي شريك طبيعي لمصر نظرًا للتقارب الجغرافي والثقافي بين البلدين حيث تمتلك ليبيا موارد طبيعية كبيرة خاصة في مجال النفط والغاز إضافة إلى احتياجات ضخمة في مجال إعادة الإعمار بعد سنوات من الصراعات يمكن لمصر أن تسهم بشكل كبير في إعادة بناء ليبيا من خلال تقديم الشركات المصرية خبراتها في مجالات البناء والطاقة والنقل كما يمكن تعزيز التعاون في مجال النفط والغاز حيث تمتلك مصر خبرة واسعة في هذا القطاع كما أن تعزيز الاستقرار في ليبيا يمثل مصلحة استراتيجية لمصر حيث يضمن تحقيق أمن الحدود وتعزيز التبادل التجاري بين البلدين
لتعزيز فرص التعاون الاقتصادي مع هذه الدول الإفريقية يجب على مصر تبني استراتيجيات شاملة تعتمد على الشراكة المتكافئة والاستفادة المتبادلة
أولاً يجب تعزيز العلاقات الدبلوماسية مع هذه الدول من خلال الزيارات المتبادلة وتوقيع اتفاقيات التعاون الاقتصادي التي تضمن حقوق جميع الأطراف
ثانيًا يجب تطوير البنية التحتية المشتركة مثل شبكات النقل والطاقة التي تسهل التبادل التجاري والاستثماري بين مصر وهذه الدول
ثالثًا يجب تقديم الدعم الفني والتكنولوجي لهذه الدول من خلال بناء القدرات البشرية ونقل المعرفة خاصة في مجالات الزراعة والصناعة والطاقة المتجددة كما يمكن لمصر أن تلعب دورًا محوريًا في تحقيق التكامل الاقتصادي الإقليمي من خلال تفعيل اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية التي تهدف إلى إنشاء سوق موحدة للسلع والخدمات في القارة
على المستوى الإقليمي يمكن لمصر أن تكون جسرًا للتواصل بين إفريقيا والعالم من خلال استغلال موقعها كمحور للتجارة الدولية ومركز لإنتاج وتصدير الطاقة النظيفة كما يمكن لمصر أن تلعب دورًا قياديًا في تعزيز الاستقرار السياسي والأمني في إفريقيا من خلال دعم مبادرات الاتحاد الإفريقي والمشاركة في حل النزاعات الإقليمية مما يهيئ بيئة مواتية للتنمية الاقتصادية المستدامة
في النهاية يمثل مستقبل مصر الاقتصادي فرصة كبيرة لتعزيز التعاون مع الدول الإفريقية من خلال تحقيق شراكات استراتيجية تسهم في دفع عجلة التنمية في المنطقة من خلال تطوير البنية التحتية المشتركة واستغلال الموارد الطبيعية بشكل مستدام وتعزيز التكامل الاقتصادي يمكن لمصر أن تحقق نموًا اقتصاديًا مستدامًا يعزز مكانتها الإقليمية والعالمية ويضمن مستقبلًا أكثر إشراقًا لجميع شعوب القارة الإفريقية
.