الدكرورى يكتب عن موقف الشرع من زواج الشغار ” جزء 2″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
موقف الشرع من زواج الشغار ” جزء 2″
ونكمل الجزء الثانى مع موقف الشرع من زواج الشغار، وإن زواج الشغار محرم، ويسميه بعض الناس نكاح البدل، وقد أوضحه النبي صلى الله عليه وسلم، فيما رواه مسلم في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه نهى عن الشغار، وقال الشغار أن يقول الرجل زوجني ابنتك وأزوجك ابنتي، أو زوجني أختك وأزوجك أختي هذا هو الشغار، وهو نكاح البدل، وهو اشتراط عقد في عقد، واشتراط زواج في زواج، وهو باطل مطلقا في أصح أقوال أهل العلم حتى ولو اشترطوا مهرا، ولو كان المهر مكافئا لكل واحدة، ما دام الشرط موجودا أنه يزوجه ويزوجه فالنكاح باطل وفاسد ليس بصحيح في أصح أقوال أهل العلم.
وذهب بعض أهل العلم أنه إذا كان هناك مهر كافي وليس هناك حيلة صح النكاح، ولكنه قول ضعيف ومخالف للأحاديث الصحيحة، وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، نهى عن الشغار، والشغار أن يُزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته، ليس بينهما صداق، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا شغار في الإسلام” فهذه الأحاديث الصحيحة تدل على تحريم نكاح الشغار وفساده، وأنه مخالف لشرع الله، ولم يُفرّق فيه بين ما سمى فيه مهر وما لم يُسمّ فيه شيء من المهر إلا ما ورد في حديث ابن عمر من تفسير الشغار بأن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته وليس بينهما صداق، فهذا التفسير قد ذكر أهل العلم.
أنه من كلام نافع الراوي مولى ابن عمر، وليس هو من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وقد فسّره النبي صلى الله عليه وسلم، بما تقدم في حديث أبي هريرة السابق إيضاحه وبيانه، وهو أن يزوج الرجل ابنته أو أخته على أن يزوجه الآخر ابنته أو أخته، ولم يقل وليس بينهما صداق، فدل هذا على أن تسمية الصداق أو عدمها لا أثر له في ذلك، وإنما مقتضى فساد هذا النكاح هو اشتراط المبادلة والاتفاق على ذلك بين الطرفين المسؤولين عن تزويج المرأتين، وغالبا يكون هذا الشرط سِريا لا يُعلن عنه، إنما المُعلن عنه هو رغبة كل طرف تزويج الطرف الآخر بمهر مستقل لكل من الزوجتين، برضا الأزواج المراد تزويجهم على حد زعم ولي الزوجتين.
والواقع عدم الرضا منهما أو من إحداهما، وقد يكتب في عقد كل منهما مبالغ متفاوتة للتضليل والتدليس وليست من الحقيقة في شيء، وفي ذلك فساد كبير، لأنه يفضي إلى إجبار النساء على نكاح من لا يرغبن فيه، إيثارا لمصلحة الأولياء وتحقيقا لمصالحهم الشخصية دون النظر في مصلحة النساء، وذلك منكر وظلم للنساء، وهو أيضا يُفضي إلى حرمان النساء من مهور أمثالهن كما هو الواقع بين الناس المتعاطين لهذا العقد المنكر، حيث جعلوه امرأة بامرأة، وفرجا بفرج، وكثيرا ما يفضي هذا العمل إلى النزاع بعد الزواج، وهذا من العقوبات العاجلة لمن خالف الشرع، والواقع الذي عاشه ويعيشه أولئك الأزواج من الرجال والنساء واقع مؤلم، وحياة تعيسة، ومشاكل لا نهاية لها.
وقد أدت إلى سفك دماء وإلى قطيعة أرحام، وإلى بغضاء وشحناء وحقد وعداوات متناهية بسبب الإقدام على نكاح الشغار الذي لم ينتبه ويتفكر ويمعن النظر في الحكمة من تحريمه كثير من المسلمين، ولم يفكروا في العواقب المؤلمة لكثير ممن أقدم عليه، فالحياة الزوجية عقدها يستمر مدى الحياة، ويجب التفكير فيها بكل أمانة وإخلاص، والإقدام على بصيرة وتغليب مصلحة الزوجين، وقد روى الإمام أحمد وأبو داود بإسناد صحيح عن عبد الله بن هرمز أن العباس بن عبد الله بن عباس أنكح عبد الرحمن بن الحكم ابنته، وأنكحه عبد الرحمن ابنته، وقد كانا جعلا صداقا، فكتب أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه إلى أمير المدينة مروان بن الحكم يأمره بالتفريق بينهم.