الدكرورى يكتب عن والي مصر قرة بن شريك العبسي “جزء 4”
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
والي مصر قرة بن شريك العبسي “جزء 4”
ونكمل الجزء الرابع مع والي مصر قرة بن شريك العبسي، وقد أخذ قرة أيضا بركة الحبش التي تنسب إلى قتادة بن قيس الحبشي فأحياها وغرس بها القصب فأصبحت تعرف ببركة القصب أو اصطبل قرة بن شريك، وفي سنة أربعه وتسعين من الهجره، نصب منبرا جديدا في الجامع الذي بناه، وقد عرف عن قرة بن شريك أنه كان جبارا صلبا، حيث تعاقد نحو مائة من الخوارج في الاسكندرية على قتله، وكمنوا له عند منارة الإسكندرية، ولكن أحد الرجال ويدعى أبا سليمان أبلغه عن الأمر، فأوقع بهم قرة بن شريك وقتلهم جميعا، وتولي قرة بن شريك ولاية مصر ست سنوات من سنه تسعين إلى سته وتسعين من الهجره، وكان ذلك في خلافة الوليد بن عبد الملك، الذي عزل أخاه عبد الله بن عبد الملك عنها وأسندها إلي قرة، وكان الوليد بن عبد الملك قد أمر بتوسعة وتجديد جامع عمرو بن العاص فنهض بالأمر وجدد ووسع الجامع.
ولكن المؤرخين راحوا يشوهون هذا العمل بالقول، إن قرة بن شريك، كان إذا فرغ العمال والصناع من البناء دعا الخمور والزمور والطبول، فيشرب الخمر في المسجد طول الليل ويقول لنا الليل ولهم النهار وكان اشر خلق الله، والذي يجعلنا نميل إلي الاعتقاد بأنها شائعة لا أساس لها من الصحة أن ابن عبد الحكم والكندي وهما من المؤرخين القدامى، وهم أهل الثقة في تاريخ مصر وولاتها، لم يشيرا بأى شئ عن ولاية قرة بن شريك علي مصر فقد أشار إلي بنائه الجامع وتوسعته، ولكنهما لم يذكرا شيئا عن واقعة شرب الخمر وسماع الغناء بالمرة ولو كانت حدثت لما أغفلاها، ولا ندري من أين جاء بها المؤرخون المتأخرون، وقد دلت أوراق البردي العربية والتي اكتشفت في كوم اشقا، والتى تعود إلي عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك وولاية قرة بن شريك علي مصر.
وقد دلت هذه الأوراق علي أن كل ما رواه المؤرخون عن ظلم قرة وفسقه لم يكن صحيحا، فقد كشفت هذه الأوراق عن بيانات ومعلومات طيبة عن المجتمع المصري، والإدارة والنظام المالي وطريقة جباية الجزية والخراج وإسناد المناصب إلي الموظفين والتجارة وطرقها، وبناء العمائر والمساجد، وإنشاء الأساطيل وأثمان البضائع والبيوت والأرض فضلا عن عقود الزواج والبيع والشراء وما إلي ذلك من المكاتبات الخاصة التي تكشف عن بعض العادات والنظم الاجتماعية في ولاية قرة بن شريك ومنها يتضح أن الرجل لم يكن فاسقا ولا ظالما، بل كان يتحرى العدل بين الناس، ففي كتاب منه إلي صاحب كورة أشقوة نجده يأمره بان يرسل كشفا بالأماكن المختلفة لمعرفة عدد الرجال في كل مكان والجزية الواجب عليهم أداؤها وما يملكه كل رجل من الأراضي، وما يقوم به من أعمال.
ويطلب قرة من صاحب الكورة ألا يوجد أي مجال للشكوى أو الاستياء منه، ويذكره بأنه مصمم علي مكافأة من يسير سيرا حسنا ومعاقبة من يتنكب طريق العدل، وفي كتاب أخر يطلب قرة من الوالي إن يكون عادلا في تقدير الضرائب والواجبة علي كل فرد، وان يسهل علي الناس الاتصال به كي يسمع ما يقولون إذا كانت لهم شكاوى، وهكذا تدحض هذه الوثائق البردية المعاصرة ما يزعمه بعض المؤرخين من اتهام قرة بن شريك بالظلم والفسق، ويصبح الأمر عبارة عن شائعات وأكاذيب كان يطلقها أعداء الدولة علي رجالها وظل الناس يرددونها جيلا بعد جيل حتى وصلت إلينا ولعل الأيام تكشف لنا عن الكثير من أوراق البردي وغيرها من الوثائق المعاصرة التي تعود إلي العصر الأموي، وعندها يمكن أن يتغير كثير من المفاهيم ومن النظر إلي التاريخ الأموي.