الدكرورى يكتب عن والي مصر قرة بن شريك العبسي “جزء 3”
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
والي مصر قرة بن شريك العبسي “جزء 3”
ونكمل الجزء الثالث مع والي مصر قرة بن شريك العبسي، ويقولون ويحرضون بالخروج على الحكام الظالمين والفاسقين، وهم فرق شتى، ويلقب الخوارج بالحرورية والنواصب والمارقة والشراة والبغاة والمُحكمة، والسبب الذي من أجله سموا خوارج لأنهم خرجوا على الإمام علي بن أبي طالب رضى الله عنه، ولم يرجعوا معه إلى الكوفة واعتزلوا صفوفه ونزلوا بحروراء في البداية، وسموا شراة لأنهم قالوا شرينا أنفسنا في طاعة الله، أي بعناها بالجنة، وسموا مارقة، وذلك للحديث النبوي الشريف، الذي أنبأ بأنه سيوجد مارقة من الدين كما يمرق السهم من الرمية، إلا أنهم لا يرضون بهذا اللقب، وسموا المحكمة لإنكارهم الحَكمين وهما عمرو بن العاص وأبو موسى الأشعري، وقالوا لا حكم إلا لله، ولقد توالت الأحداث بعد ذلك بين علي والذين خرجوا عليه.
ومحاولته إقناعهم بالحجة، ولكنهم لم يستجيبوا، ثم قيام الحرب وهزيمتهم وهروبهم إلى سجستان واليمن، وبعثهم من جديد وتكوين فرق كانت لها صولات وجولات من حين لآخر على الحكام والأئمة المسلمين، ونعود إلى قره بن شريك، حيث كان يزيد بن أبي حبيب إذا أراد أن يتكلم بشيء فيه تقية من السلطان، تلفت وقال أحذروا أبا سليمان، ثم قال يوما من ذاك الناس كلهم أبو سليمان، وورد كتاب بالزيادة في المسجد الجامع، فأبتدأ في هدم ما كان عبد العزيز بناه لمستهل سنة اثنتين وتسعين، ووفد قرة إلى أمير المؤمنين بوفد أهل مصر، وأستخلف عليها عبد الملك بن رفاعة الفهمي، وابتدأ في بنيان المسجد في شعبان سنة اثنتين وتسعين، وجعل على بنائه يحيى بن حنظلة من بني عامر بن لؤي.
وكانوا يجمعون الجمعة في قيسارية العسل، حتى فرغ من بنيانه، وقدم قرة من وفادته في سنة ثلاث وتسعين، فاستنبط الإصطبل لنفسه من الموات وأحياه وغرسه قصبا، فكان يسمى إصطبل قرة، ويسمى أيضا إصطبل القاس، يعنون القصب، كما يقولون قاس مروان، ونصب النبر الجديد في الجامع في سنة أربعة وتسعين، فيقال أنه لا يعلم اليوم في جند من الأجناد أقدم منه بعد منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد دون قرة الديوان في سنة خمس وتسعين وهو المدون الثالث، ثم توفي قرة بن شريك بها وهو والى عليها ليلة الخميس، لست بقين من شهر ربيع الأول سنة ست وتسعين، ودفن في مقبرتها، واستخلف على الجند والخراج عبد الملك بن رفاعة بن خالد الفهمى، فكانت ولاية قرة بن شريك عليها ست سنين إلا أياما، وهو قرة بن شريك بن مرثد بن حازم بن الحارث بن حبش.
بن سفيان بن عبد الله بن ناشب بن هدم بن عوذ بن غالب بن قطيعة بن عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان بن أعصر بن سعد بن قيس بن عيلان العبسي، وهو من بني عبس، وكان عندما قدم قرة بن شريك إلى مصر يوم الإثنين لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة تسعين من الهجره، وبدأ أعماله بأن أقر عبد الأعلى بن خالد صاحب الشرط على عمله، وطلب إلى عبد الله بن عبد الملك الخروج من مصر، خرج عبد الله بما يملك من مال وذخائر، ولكن رسل الوليد بن عبد الملك اعترضوه عند وصوله إلى الأردن، واستولوا على ما معه من أموال، ولم توضح المصادر الأسباب التي دعت الوليد إلى مثل هذا الإجراء مع أخيه عبد الله، وقد قيل إن الخليفه الأموى الراشد عمر بن عبد العزيز، ذكر عنه ظلم الحجاج وغيره من ولاة الأمصار أيام الوليد بن عبد الملك.
فقال الحجاج بالعراق، والوليد بالشأم، وقرة بن شريك بمصر، وعثمان بن حيان، بالمدينة، وخالد بن عبد الله القسري بمكة، اللهم قد امتلأت الدنيا ظلما وجورا فأرح الناس، فلم يمضى غير قليل حتى توفي الحجاج، ثم تبعه الوليد وقرة، وعزل عثمان وخالد، فاستجاب الله لعمر بن عبد العزيز رضى الله عنه، وكان عندما ولى الوليد بن عبد الملك، قرة بن شريك مصر وعزل عنها أخاه عبد الله بن عبد الملك، وقال رجل من أهل مصر شعرا وكتب به إلى الوليد بن عبد الملك عجبا ما عجبت حين أتانا، أن قد أمرت قرة بن شريك، وعزلت الفتى المبارك عنا، ثم فيلت فيه رأي أبيك، وفي سنة اثنين وتسعين من الهجره، طلب الوليد من قرة بناء جامع مصر والزيادة فيه فبدأ البناء، وكان الناس يصلون الجمعة في قيسارية العسل حتى فرغ قرة من بناء الجامع، وفي سنة ثلاثه وتسعين من الهجره.