الدكرورى يكتب عن والي مصر قرة بن شريك العبسي “جزء 2”
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
والي مصر قرة بن شريك العبسي “جزء 2”
ونكمل الجزء الثاني مع والي مصر قرة بن شريك العبسي، وجعل على الشرط عمران بن عبد الرحمن بن شرحبيل بن حسنة، حليف بني زهرة، وجمع له القضاء والشرط، وكان قرة بن شريك العبسى، هو والي مصر من قبل الخليفة الوليد بن عبد الملك الأموي، وقد عزل به أخاه عبد الله بن عبد الملك في غرة ربيع الأول لعام تسعين من الهجره، وقد كان قرة صلبا جبارا، اتفقت الخوارج على قتله في الإسكندرية، والمصادر التاريخية تذكر ان الازارقة هم من اتفقوا على قتله، ولكنه علم بأمرهم فقبض عليهم و قتلهم، والمصادر التاريخية التي ذكرت ذلك هي مصادر كتبت في العصر العباسي، ولشدة كره حكام بني العباس لبني امية طغى ذلك على مؤرخي هذه الفترة حتى انهم لم يتركوا وصفا بشعا الا وجعلوه في خلفاء بني امية وولاتهم، والقارئ لرسائل قرة الى عماله على انحاء مصر يحد فرقا كبيرا بين ما يذكره المؤرخون وبين ما يطالبه قرة من عماله.
وكان قرة بن شريك يحذر جامعي الضرائب في اكثر من بردية من الظلم او استخدام العنف في جمع الضرائب ويحذره من ظلم الاقباط وغيرهم، وهنا يجب ان نتوقف ونتأمل فهناك فرق كبير بين ما تذكره كتب التاريخ وما تقدمه لنا وثائق هذا العصر، فمن خلال البرديات التي وصلت لنا من هذا العصر، اي القرن الاسلامي الاول، فيمكن ان نحدد العلاقة بين المسلمين الحكام الجدد لمصر واهل مصر في ذلك الوقت من القبط، وان ادعائات الظلم والتعذيب هي اكاذيب تتداول ولا يوجدعليها دليل، حيث قام قرة بعملية توسعة هائلة في مسجد عمرو بن العاص بالفسطاط ، حيث أنه هدمه وبناه من جديد، وأدخل فيه الطريق الشرقي ودار عمرو رضي الله عنه، وأيضا جعل له أحد عشر بابا، وقد بنى مساجد أخرى أيضا، ومنها كما يروي السيوطي، هو مسجد العيلة بحصن الروم.
وكما قام قرة بن شريك بتعمير بركة الحبش بعد أن كانت مواتا، وأيضا زرع فيها القصب، وكما أنشأ قرة بن شريك الديوان الثالث بمصر، وتوفي في ربيع الأول من عام سته وتسعين من الهجره، وكان عندما توفي أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان، وكان ذلك يوم الخميس لأربع عشرة ليلة خلت من شوال سنة ست وثمانين هجرية، وبويع الوليد بن عبد الملك، فخرج عبد الرحمن بن معاوية بن خديج، وأخذ له بيعة أهل مصر، فأقر الوليد أخاه عبد الله على صلاة مصر وخراجها، ثم خرج قرة بن شريك، إلى رشيد، وأستخلف عبد الأعلى بن خالد على الفسطاط، والفسطاط هي المدينة التي بناها عمرو بن العاص عقب فتح مصر، وهي تقع بمقربة من حصن بابليون، حيث تقع على ساحل النيل في طرفه الشمالي الشرقي، قبل القاهرة بحوالي ميلين، وكان النيل عندها ينقسم إلى قسمين
وموضعها كان فضاء ومزارع بين النيل والجبل الشرقي وليس فيه من البناء والعمارة سوى حصن بابليون الذي يطل على النيل من بابه الغربي الذي يعرف اليوم بباب الحديد، وعندما توفي عبد الأعلى بن خالد بالفرما وهو سائر إلى الوليد في ربيع الأول سنة إحدى وتسعين، فجعل على الشرط عبد الملك بن رفاعة بن خالد بن ثابت الفهمي بن أخي عبد الأعلى، وخرج قرة إلى الإسكندرية وأستخلف على الشرط عبد الرحمن بن معاوية بن حديج سنة إحدى وتسعين، فتعاقدت الشراة بإسكندرية على الفتك بقرة، وكان رئيسهم المهاجر بن أبي المثنى التجيبي، وكانت عدتهم نحو من مائة، فعقدوا لابن أبي المثنى عليهم عند منارة الإسكندرية، وبالقرب منهم رجل يكنى أبا سليمان، فبلغ قرة ما عزموا عليه فأتى بهم قبل أن يتفرقوا، فأمر بحبسهم في أصل منارة إسكندرية، واحضر قرة وجوه الجند.
واحضرهم فسألهم، فأقروا، فقتلهم قرة، ومضى رجل ممن يرى رأي الخوارج إلى أبي سليمان فقتله، والخوارج هو اسم أطلقه مخالفو فرقة قديمة محسوبة على الإسلام، وكانو يسمون أنفسهم بأاهل الأيمان، وقد ظهرت هذه الطائفه في السنوات الأخيرة من خلافة الصحابي الجليل وأمير المؤمنين عثمان بن عفان، واشتهرت بالخروج على الإمام علي بن أبي طالب رضى الله عنه، بعد معركة صفين سنة سبعه وثلاثين من الهجره، لرفضهم التحكيم بين الإمام على بن أبى طالب، ومعاويه بن أبى سفيان، وكان ذلك بعد أن عرضوه عليهم، وقد عرف الخوارج على مدى تاريخهم بالمغالاة في الدين وبالتكفير والتطرف، وأهم عقائدهم، هو تكفير أصحاب الكبائر، ويقولون بخلودهم في النار، وكفروا عثمان وعلي وطلحة والزبير وعائشة رضى الله عنهم أجمعين.