الدكرورى يكتب عن عقبه بن أبي معيط ” جزء 1″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
عقبه بن أبي معيط ” جزء 1″
عندما نتكلم عن حياة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، في المرحلة المكية فى بلده مكه المكرمه والتى كانت موطنه ومسقط رأسه صلى الله عليه وسلم، قبل الهجرة، فكانت هي صفحة مؤلمة على النفس، وفيها قد تعرّض النبي صلى الله عليه وسلم، لأشد أنواع الإيذاء على يد سفهاء قومه من المشركين الذين ناصبوه العداء، فحاربوه ووقفوا في طريق دعوته، وقد تعددت وسائل محاربتهم للنبي صلى الله عليه وسلم ولدعوته، فمنها الحرب النفسية والدعائية والإعلامية، ومنها الحرب المادية والإيذاء الجسدي، وكذلك استخدم المشركون السخرية والاستهزاء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وكل ذلك كي يثنوه عن دعوته، فقد اتهموه بالجنون تارة، وبالسحر تارة، وبالكذب أخرى، وقد عبّر القرآن الكريم عن هذه الاتهامات الباطلة.
وكان لهذا الاستهزاء وتلك السخرية أثر في نفس النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الصادق المصدوق، وهو الأمين، وهو المشهود له برجاحة العقل، وقد كان من وسائلهم في تلك الحرب المعنوية إثارة الشبهات والدعايات الكاذبة والباطلة، ولقد تعرض النبي صلى الله عليه وسلم، للإيذاء الجسدي على يد السفهاء من الكفار والمشركين وهو صابر محتسب، وكان من أجلنا ومن أجل إيصال الدين إلينا فقد تحمّل النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، أشد أنواع الإيذاء، وكان من الذين آذوا النبي صلى الله عليه وسلم، هو عقبة بن أبي معيط ، وهو من كبار مشركي قريش وكان يضع سلا الجزور وهى الأوساخ التي تخرج مع الجمل الصغير أثناء الولادة، بطريق النبي صلى الله عليه وسلم، وحاول مرة خنقه وقتله بيده.
وعقبه بن معيط، هو عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وقد كان عقبة بن أبي معيط من وجهاء قريش وكان خليلا لأمية بن خلف الجمحي، وأمية بن خلف هو أمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي الجمحي المكي، وهو أحد رؤوس قريش وكبارهم، وقد قُتل في غزوة بدر في العام الثاني الهجري على يد الصحابي بلال بن رباح، وكان أمية بن خلف من سادات قريش، وقد حارب دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، في بدايتها، وصد عنها ووقف في وجه كل من يتبعها خاصة الفقراء والمستضعفين.
وكان من بين هؤلاء المستضعفين الصحابي بلال بن رباح، الذي دخل في الإسلام خفية بدون علم أمية بن خلف، وفي يوم جاء رجل مشرك إلى أمية بن خلف وهو في مجلس لقريش وناداه قائلا أو ما بلغك الخبر، لقد شهدت عبدك بلال يختلي مع محمد وصحبه، فقام أميه من مجلسه ودخل داره منتظرا رجوع بلال، ولما قربت الشمس على الغروب، دخل بلال على أمية فقال ما هذا الذي بلغني عنك أيها العبد الحبشي، أحقا أنك اتبعت دين محمد، فأجاب بلال أما وأنه بلغك أمري وعلمت بإسلامي فإني لا أخفي عليك أني آمنت بالله ورسوله وأنا من جنوده، فأجابه أمية لست أيها العبد إلا مملوك، لا تملك من أمرك شيئا، وأقسم أن يذيق بلال صنوف العذاب ليرغمه على الرجوع إلى الكفر والشرك كما كان، فأعد الحبال وشد بها أقدام بلال وقيدت يداه إلى الخلف، وجر على الأرض وسط الصحراء.
وكان يترك بلال في الصحراء من الظهيرة إلى غروب الشمس، ويأتيه قائلا ما رأيك الآن يا بلال، أذقت العذاب، وهل آن لك أن ترجع إلى عبادة اللات والعزى، وكان بلال يقول أحد أحد، وأبى أن يعود إلى الشرك، وقد مضت الأيام وبلال يُعذب، حتى مر أبو بكر الصديق يوما فآلمه ما رأى من عذاب بلال، فقال لأمية متى تترك هذا المسكين، فقال أمية إنه عبدي وملكي، وإذا كنت مشفقا عليه فاشتره، فاشتراه أبو بكر الصديق، واعتقه، وأما عن عقبه بن معيط فكان عقبة بن معيط، يجالس النبي صلى الله عليه وسلم، بمكة لا يؤذيه، وكان رجلا حليما، وكان بقية قريش إذا جلسوا معه آذوه، وكان قد صنع وليمة فدعا إليها قريشا، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى أن يأتيه إلا أن يسلم، وكره عقبة أن يتأخر عن طعامه من أشراف قريش أحد فأسلم ونطق بالشهادتين.
فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكل من طعامه وكان خليل أبي معيط أمية بن خلف غائبا عنه بالشام فقالت قريش صبأ أبو معيط، ولما قدم خليله من الشام ليلا، قال ما فعل خليلي أبو معيط؟ فقالوا صبأ، فبات بليلة سوء، فلما أصبح أتاه أبو معيط، فحياه، فلم يرد عليه التحية، فقال مالك لا تردّ عليّ تحيتي؟ فقال كيف أرد عليك تحيتك، وقد صبوت؟ قال أو قد فعلتها قريش؟ قال نعم، فقال عقبة رأيت عظيما ألا يحضر طعامي رجل من أشراف قريش، فقال له أمية وجهي من وجهك حرام إن لقيت محمدا قال أبو معيط فما يبريء صدرك إن أنا فعلته؟ فقال له خليله لا أرضى حتى ترجع تأتيه في مجلسه فتبزق في وجهه، وتشتمه بأخبث ما تعلم من الشتم وتبصق في وجهه وتطأ عنقه وتقول كذا وكذا، ففعل عدو الله ما أمره به خليله، طاعة لخليله وإرضاء له.