أخبار سياسية - اقتصادية - فنية - رياضية - عربية - دولية

المنّ والسلوي في رحلة التيه ” جزء 17″

الدكرورى يكتب عن المنّ والسلوي في رحلة التيه ” جزء 17″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء السابع عشر مع المنّ والسلوي في رحلة التيه، وإن فوائد المن أو الصمغ العربي، وهو قيل بأنه مفيد للأمراض الصدرية ويهدئ السعال، ويقي من التهابات الجهاز الهضمي والأمعاء، وأنه يخفف من حدة الآلام العصبية، ويحمي من الإمساك ويساعد في عملية الهضم لاحتوائه على الألياف، ويقي من العطش في أيام الحر الشديد، وأنه مفيد للكبد وينشط عملها، ومفيد للذاكرة ويعمل على تقويتها خاصة عند كبار العمر، وتعتبر مادة المن واقية من حدوث السرطانات وخاصة سرطان القولون، وكذلك فإنه يعمل على خفض نسبة السكر في الدم بالإنزيمات المتوفرة فيه، وأنه مفيد لإنقاص الوزن والحميات لغناه العالي بالألياف، ومفيد لصحة العظام والأسنان ويقي من هشاشة العظام لغناه بالكالسيوم بعشر مرات تفوق الحليب.

ويعمل على تخفيف ضغط الدم المرتفع، ويقي من التهابات وآلام المفاصل، وكذلك فإنه يحمي من النقرص وهو داء الملوك، ويطهر الجسم من السموم، ويقوي الجهاز المناعي بالجسم، وأما عن السلوى من المعروف بأن السلوى هو نوع من الطيور صغير الحجم أكبر من العصفور وأصغر من الحمام وقد أنزله الله تعالى طعاما لبني إسرائيل لما يحتويه من فوائد عظيمة وبروتين حيواني خالص قليل الدسم، كما أن بيض طائر السلوى له قيمة غذائية عالية، وهى تفوق غيرها من بيض الطيور فهي تحتوي على فيتامينات ومعادن وأملاح بكمية كبيرة، كما أنها تعتبر غذاء صحيا ومقويا للجسم ولذلك جمع الله تعالى بين المن والسلوى في كتابه الكريم وهما غذاء بني إسرائيل، وقد تصنع حلوى المن في كثير من الدول العربية.

 

ولكن تتم إضافة مادة صناعية لها وتختلف اختلافا كليا عن طعم حلوى المن العراقية الخالية من أية مواد صناعية، وإن من خلال موقف نبى الله هارون ما يجب أن يتحلى به الداعى إلى الله عز وجل، من طول الصبر على من يدعوهم، والحكمة العالية فى حوارهم، ومعاملتهم على أنهم مرضى، مفتونون ومغرورون بحالهم، لا يكادون يبصرون الهدى والنور إلا لماما، وأن الداعى إلى الله يجب أن يكون رحيما بهم وشفوقا عليهم، كل همه أن يأخذ بأيديهم مما هم فيه، ونجاتهم من الإثم والمعصية التى توبقهم فى عذاب الله الأليم، ولو أن الذين يكفرون المسلم بسبب معصية ارتكبها، أو واجب تركه، رأوا حكمة نبى الله هارون عليه السلام فى معاملته لمن كفر بالله وتعالى وعبد العجل من بنى إسرائيل، لغير أسلوبه تماما.

 

ولام نفسه على قسوته وشدته فى هذا الحكم الذى حكم به على هذا المسلم، وإنما عليه أن يبين له، بالرحمة واللين والحكمة، ما يحبه الله ويرضاه، ويشوق قلبه إليه، ويعطف نفسه نحوه، ويثلج صدر أخيه المسلم بالرقة واللطف والحب والمودة، لأنه يرجو نجاة أخيه المسلم المخالف لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ويعمل على خلاصه من ذنبه ومعصيته، وإن لنا فى رسل الله الكرام عليهم السلام جميل الأسوة وكريم القدوة، ونحن نعتقد أيضا أن اليهود آذوا نبى الله موسى عليه السلام إيذاء نفسيا، وآذوه بعدم طاعته وتنفيذ أمره، ولعل أعظم إيذاء لنبى الله موسى، كان رفض بني إسرائيل القتال من أجل نشر عقيدة التوحيد في الأرض، أو على أقل تقدير، السماح لهذه العقيدة أن تستقر على الأرض في مكان، وتأمن على نفسها، وتمارس تعبدها في هدوء.

 

ولقد رفض بنو إسرائيل القتال، وقالوا لموسى كلمتهم الشهيرة ” اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون” وبهذه النفسية حكم الله تعالى عليهم بالتيه وكان الحكم يحدد أربعين عاما كاملة، وقد مكث بنو إسرائيل في التيه أربعين سنة، حتى فني جيل بأكمله، فنى الجيل الخائر المهزوم من الداخل، وولد في ضياع الشتات وقسوة التيه جيل جديد، جيل لم يتربى وسط مناخ وثني، ولم يشل روحه انعدام الحرية، جيل لم ينهزم من الداخل، جيل لم يعد يستطيع الأبناء فيه أن يفهموا لماذا يطوف الآباء هكذا بغير هدف في تيه لا يبدو له أول ولا تستبين له نهاية، إلا خشية من لقاء العدو، جيل صار مستعدا لدفع ثمن آدميته وكرامته من دمائه، جيل آخر يتبنى قيم الشجاعة العسكرية، كجزء مهم من نسيج أي ديانة من ديانات التوحيد، وأخيرا ولد هذا الجيل وسط تيه الأربعين عاما،

ولقد قدر لنبى الله موسى عليه السلام زيادة في معاناته ورفعا لدرجته عند الله تعالى، وقدر له ألا تكتحل عيناه بمرأى هذا الجيل، فقد مات نبى الله موسى عليه السلام قبل أن يدخل بنو إسرائيل الأرض التي كتب الله عليهم دخولها.