النقد وانهيار الحضارات
القسم الثاني
بقلم/ محمد الكعبي
عندما تريد ان تنتقد الاخرين وتكشف عيوبهم، فمن الانصاف والاخلاق أن تنظر إلى نفسك ومن أنت وماهو موقعك ومن تكون؟ واين كنت واين اصبحت؟ وينبغي مراجعة حساباتك عسى ان تكون مشتبه, لاتغمض عينيك بل افتحها ودقق النظر لترى الحقائق جلية امامك، فالاعمى لايرى الا السواد، وانظر إلى نفسك اين تجلس؟ وهل انت في قمة أم في قعر الحضارة؟ فليس من الحكمة أن تعلق اخطائك وفشلك على غيرك، بل عليك محاولة تصحيح مسارك ومعالجة امراضك التي اصبحت مزمنة وتحولت إلى كابوس وعقد، فالكثير يعيش الامراض النفسية التي تحتاج لعلاج جذري وسريع خوف العدوى، أو قد يتحول إلى جنون.
اصلح نفسك وتقدم وحاول مرارا وتكرارا واستعن بغيرك، وتقبل من الاخرين وخذ منهم وعالج بؤسك وفشلك، ولا تبقى تراوح في مكانك تعيش الوهم والنرجسية الخداعة، فالكثير يسير إلى الامام ويتقدم، اما انت فمازلت تراوح، بل تتراجع، انظر كيف اصبحت الدول وكيف ارتقت، فالبناء والاعمار والتطور يتسارع، بصمات التكنلوجيا واضحة في اغلب مرافق الحياة، وغدت الدول تفكر في الخطط الخمسينية بل المئوية، وتخطط لما ستصل اليه بعد خمسين عاما، لانها تفكر بعقلية البناء والارتقاء ونبذ الماضي، لا تريد أن تتخلف عن ركب الحضارة، فتجدها تستعين بالخبرات والعلوم وتستوردها وتبذل الكثير من اجل الوصل إلى اعلى مستويات الرقي، وفي المقابل هناك من يعيش التأزم والتعملق الكاذب، وما زال يتغنى بالماضي العتيد بلا حركة ولا تطور، بل خامل جامد يعيش في ردهات العناية المركزة ينتظر الموت ان لم يكن ميت سريريا، لكنه يتوهم انه هو الطبيب وهو المخلص.
ينبغي الخروج من القفص الذي حبست نفسك بداخله وفكر خارج الاطر القديمة، وجرب وحاول واستعن وابذل ستنجح، لا تعتمد على الماضي وتتمسك بادواتك المتهالكة، طورها أو غيرها، واعلم أن الدنيا ليست بلونين فقط، بل بالوان كثيرة، وليس هناك قياسان، بل قياسات متعددة ومتنوعة، والخيارات كثيرة ومتنوعة، وما عليك الا ان تخوض التجارب وتحاول، حينها ستنفتح امامك الافاق، ولكن بشرط ان تكون جادا وذا ارادة، متحملا المسؤولية مع العلم والبصيرة، وقبلها التوكل على الله تعالى، ولا تستهن بقدراتك، اسعى وحاول، وستنجح حتما، والاهم ان تصل ولكن المهم والأصل ان تبدأ بالخطوات الصحيحة وفق توقيتات محكمة وخطط مدروسة.
عندما تجد نفسك في بلد يعيش ابناءه الرفاه الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي، فكن على يقين أن حكومته تستحق أن تُحترم لأنها وضعت مصلحة المواطن امام انظارها وسخرت طاقاتها وامكاناتها من أجله. قد تجد بعض المشاكل هنا وهناك، لكنها في الجملة غير بارزة للعيان، وإن كانت بارزة فلا تعطى لها مساحة واسعة، تجاوزها ولاتقف عندها، لان العظماء ديدنهم المضي في البناء بكل ثقة وجدية، فيتجاوزون المطبات لبناء المجتمع المدني الحضاري حيث يشعر المواطن بانتمائه للوطن، أما البلدان التي يحكمها المعقدون والمتخلفون فتراها في تأخر وتراجع دائم، فتبرز ظاهرة العنتريات والشعارات الممزوجة بالغل والحقد على الاخرين، وتكشف عن عقد وقزمية ودونية، خلاف التي تفكر وتخطط وتعمل بلا ضوضاء.
عندما اجول البلدان والمدن واشاهد ما وصلت اليه من بناء وتنمية اتألم على بعض البلدان التي تعاني الازمات والمشاكل والتخاذل والحرمان والتراجع، فتجد مربع الموت يحيط بها من كل الاتجاهات رغم ما تملك من طاقات بشرية وموارد طبيعية كبيرة تمكنها من اللحاق بالاخرين، لكن ابت النفوس الشحيحة ان تفكر الا بعلفها، حتى اصبحت لعنة وسبة في المحافل والمنتديات، حيث الفساد دمرها والمحاصصة مزقتها والعصبية اخرتها والقبلية انهكتها، لان المتصدي لقيادتها لايملك القدرة على ادارتها، بعض البلدان ماضيها افضل واجمل من حاضرها، وتفكر بعقلية التصفير مع الجميع حتى قضت على نفسها، فتجدها تعيش الازمات والمشاكل ولا تجيد الا الاتهامات وتشويه الحقائق وتصدير المشاكل، وهذه من عوامل السقوط الحضاري التي تهلك الامم، لأنها لا تتعامل بعقلية البناء، ولن تبقى وستندثر كما اندثرت الأمم أمثالها السابقة.