المبدئيون والميكافيلون وصراع الوجود
كتب/ محمد الكعبي
عندما نقرأ التاريخ ونتابع النماذج التي مرت به تستوقفنا الكثير من الشخصيات لما تحمل بين طياتها من مواقف ودوافع وتحديات لاغلب المسلمات فكان التميز والانفراد والتصدي والخروج عن المألوف سمة بارزة لتلك الشخصيات فنجد التاريخ يسجل بكل شموخ وعنفوان اسماء خلدها لما قدمت للاجيال، فكانت حقا رجال تستحق الخلود وينبغي ان تكون نبراس يحتذى بها لانها ترسم الطريق وتوضح المعالم الحقة للاجيال الاحقة.
ينقسم الناس إلى قسمين وفقا للمعطيات التي تتحكم بهم والتي تحدد مساراتهم، فينقسمون كلاً بحسب ما يحمل من مفاهيم دينيّة واجتماعيّة وثقافية وموروث اجتماعي، فالتاريخ والمجتمع والأسرة والصديق والبيئة والمدرسة والسوق والارض والطعام والهواء وغيرها كلها عوامل دخيلة في بلورة شخصيّة وافكار الإنسان، فتكون تصرفاته نابعة من تلك العوامل التي انطوى تحت ظلها وتأثر بها ، فضلاً عن العامل الديني والمعتقد الذي يتبناه ويسير عليه، فنجد الإختلاف بيّن وواضح بين الناس، نجد البعض يتعامل بالتناقضات والإزدواجيّة، يخادع، يكذب، يحتال من أجل الوصول إلى غايةٍ زائلةٍ قصيرةٍ ويغض الطرف عن الطرق الصحيحة والسليمة؛ لأن الغاية عندهم مهمّة وتستحق أن يبذلوا من أجلها كل شيء مادام يوصل لتحقيق أهدافهم لانهم ميكافيليون بامتياز، وتجد المبدئي الذي لا يساوم على شرفه وأخلاقه ومبادئه يصارع الظلم ويواجه الطاغوت وأن صلب على الشجر وعلق بالمشانق، ثابت لا تحركه الرياح صامد كالجبال الشاهقة يتحمل التغريب والتسقيط والقتل لان الهدف الاسمى عنده هو تحقيق العدالة، فكانت كلماتهم ومواقفهم بصمة مشرفة في سماء الحقيقة ونبراس يحتذى به على مدى الايام فدخلوا سجل الخالدين الفاتحين لكل ابواب الخير والبصيرة لانهم حطموا الاصنام بكل الوانها واشكالها وان كانت تنتمي لاعرق البيوت فشاركوا موسى بتحطيم العجل ومحمد(ص) بهدم الاصنام لتتنظف بيوتهم من تلك الاوثان، آه وكم آه من قلب محروقٍ وجسدٍ ممزقٍ ودموعٍ غزيرةٍ أبتل منها الجسد العاري على أناس يدعون الصلاح والإصلاح وهم مفسدون وفاسدون، إلى متى تبقى الأمة عائمة على مستنقع الجهل وهي تتبجح بامجاد الماضي؟
أما آن لها أن تغير نظرتها للاشياء الا يكفي ضياع الكثير من الاجيال بالاسطورة والخيال والخرافة؟
أم إنها مصرة ومستمرة في عصيانها وطغيانها ونومها العميق على فراش الذل والهوان والبؤس والضياع؛ لأنها فقدت الشعور بكل ما من شأنه أن يوقظها ويعيدها إلى مكانتها، الا تستجيب الأمة إلى نداء العلم والايمان؟ لتلتحق بركب الخلود.
أما آن الأوان أن تزيل عن نفسها ثوب القبلية والحزبية والقومية وتواكب البناء الحضاري.
العلم والجهل نقيضي النزال كل له دوافعه وادواته يقابل بها الاخر قد ينتصر احدهمها في حقبة زمنية ومكان معين لكن النهاية لابد أن ينتصر العلم ويهزم الجهل لأنها سنة الله في عالم الوجود.