بركان الضمير
بقلم/ محمد الكعبي
التمرد كلمة يشوبها الكثير من الضبابية والتشويه حتى اصبحت كلمة منبوذة عند بعض القراء والسامعين، الا ان التمرد كما ان له معنى سلبيا، كذلك لها معن إيجابي، فقد يكون التمرد بركان ضمير الحق، فلكل حالة تمرد خصوصية، فمنه المقصود و الغير المقصود، والموجه والعبثي، والهادف، والمعلن والمخفي.
التمرد: هو الخروج عن قوة السلطة، ونبذ المتعارف، ورفض الانصياع للأوامر، والخروج على اغلب الانماط السلوكية الموجودة في النظم الثقافية والسياسية والاجتماعية، والتمرد السلبي هو فتح أبواب الانحطاط والتسافل، وخصوصا ما يجري في عصرنا الحاضر، من تسلط الجهلة وتحكم الاعراف الفاسدة والتي اخذت ماخذها من الامة.
قد نجد ايادي خفية فاعلة ومؤثرة ومستفيدة من انتشار وبقاء الانحطاط والتسافل الفكري للناس وللنخب خاصة، لذا يحتاج المجتمع إلى حالة تمرد عكسية تقولها النخب حتى تطيح بتلك الانماط السلوكية والافكار الدونية، وتستبدلها بما هو جديد منسجم مع مرادات الحق والعدالة، وهذا يتطلب الكثير من الجهد والعناء، وقد يواجه المتصدي اشكال التسقيط والاقصاء، ويعيش الاغتراب الفكري والمجتمعي، بل يصل حد التصفية الجسدية، فحياة المتمردين مليئة بهكذا سلوكيات ومواجهات، فالانبياء والرسل والمصلحون نماذج حية للتمرد على كل فاسد ومنحرف، وإن كان الملوك يملكون الجيوش والنفوذ، فالتاريخ القديم والحديث حافل بالمتمردين المصلحين على الاستبداد، وهناك توأمة بين التمرد والعنف، لان التمرد يستهدف التغيير، فحتما سيقابله من لايرغب به، انها مواجهة بين ارادتين، أرادة التغيير والتجديد، وارادة متمسكة بأدواتها المتخلفة الاستبدادية، مما يجعل الاتفاق أو الحلول الوسطية بينهما مستحيلا، فالتمرد المادي أو الفكري حاضر على مر الزمان، وان اختلفت اشكاله وادواته، فما أجمل الإنسان عندما يكون متمرداً على طاغوت زمانه، متحديّاً قارون عصره، مقاتلاً فرعون نفسه.
التمرد على الصنم، يعني إن الإنسان قد عرف الله تعالى، فسار على امره ونهيه، متبعاً رسوله. إن أمة المتمردين على الصنم رفعت القرآن دستوراً لها، والإسلام طريقاً لمنهجها، فدخلت المعركة التي ليس فيها صلح أو هدنة، أما الفوز أو الشهادة، وكلاهما نصر في كل الميادين، لا مجال للتراجع فيها.
هنيئاً لمن تمرد مع الحسين (ع) على يزيد، وهنيئا لمن تمرد على يزيد عصره، وهنيئاً لمن كسر القيود النمروديّة، فحلق في سماء الحريّة.
هل تمردنا على أعرافنا الفاسدة وشعاراتنا المزيفة وعلاقاتنا الباطلة؟
ما أجمل أن يكون الإنسان كافراً بكل الوان العبودية المقيتة، متمردا على النفاق والخيانة والالقاب والرتب والمقامات والبيوتات المنحرفة، ومعلنا براءته منها، ما أجمل الحياة مع الكفر بكل الأصنام الحقيرة المتنفسة والمصطنعة {… فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}، هل آمنا بالله عز وجل إيماناً حقيقيّاً لا نشرك به غيره؟ هل خلعنا عباءة الشيطان؟ هل تركنا سوط الجلاد وسيف الظالم، أم مازلنا نرقص للجلاد ونهتف للطاغوت؟
متى نخلع ثوب النفاق، ونحلق في سماء الملكوت بدون أوساخ المادة الحقيرة؟