الدكرورى يكتب عن مؤذن الرسول بلال بن رباح ” جزء 2″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
مؤذن الرسول بلال بن رباح ” جزء 2″
ونكمل الجزء الثاني مع مؤذن الرسول بلال بن رباح، وقد هاجر بلال إلى يثرب، ونزل على سعد بن خيثمة، وآخى النبى صلى الله عليه وسلم بينه وبين عبيدة بن الحارث بن المطلب، وقيل بينه وبين أبي عبيدة بن الجراح، وقد شهد بلال مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة بدر، وقتل يومها أمية بن خلف مولاه السابق الذى كان يعذبه، كما شارك معه فى باقى غزواته كلها، وقد اتخذه النبى صلى الله عليه وسلم مؤذنا لما شُرع الأذان، فكان بلال أول من أذن، وهو أحد ثلاثة مؤذنين للنبي صلى الله عليه وسلم مع أبي محذورة الجمحى وعمرو بن أم مكتوم، فكان إذا غاب بلال أذن أبو محذورة، وإذا غاب أبو محذورة أذن عمرو بن أم مكتوم، ويوم فتح مكة، أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلال رضى الله عنه بأن يعتلى الكعبة، ويؤذن فوقها، ففعل.
ولقد بدأت دعوة النبى صلى الله عليه وسلم إلى دين الحق فأراد الله ببلال خيرا فكان أول السابقين من العبيد لهذا الدين الجديد وحينها بدأت معركة غير متكافئة بين الحق والباطل، بدأ امتحان صعب بين السيد الذى يفعل ما يقول وينفذ ما به يهدد ولا تخاصم من إذا قال فعل، والطرف الثاني العبد المملوك بلال فبدأت مرحلة الاستضعاف لا على شيء إلا أن يقول ربني الله فلم يطق ذلك سيده فصار أمية بن خلف إذا حميت الشمس وقت الظهيرة يلقيه في الرمضاء على وجهه وظهره ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتلقى على صدره ويقول لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزى أما بلال فهو يقول كلمته التي إذا سمعت ذهب الذهن إلى اسمه كان يقول رضي الله عنه ” أحد أحد ” ويقول عبد الله بن مسعود فى حديث المعذبين في الله .
قال فأما بلال فهانت عليه نفسه في الله وهان على قومه فأعطوه الولدان يطوفون به في شعاب مكة وهو يقول ” أحد أحد ” ولكن عاقبة الصبر حميدة ، وله أسوة بإخوانه المعذبين من السابقين إلى الإسلام، بل أسوته قبل كل أحد بالنبى صلى الله عليه وسلم الذى أوذى فصبر فلما بلغ الكتاب أجله في تعذيب بلال رضى الله عنه هيأ الله له فرجا قريبا وعتقا حميدا، فلما رأى أبو بكر الصديق حال بلال، يعذبه سيده وبلال قوى فى دينه لا تزيده الأيام إلا ثباتا ولا شدة العذاب إلا صلابة، ساوم معذبه على شرائه فاشتراه بأواق معدودة أحصاها الله واختلفت في عدها الرواة، ثم أعتقه، ومن أعتق مملوكا كان فكاكه من النار، وجاء عن عمر رضى الله عنهما أنه كان يقول أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا يعني بلال، ولما بلغ بلال أن ناسا يفضلونه على أبى بكر.
فقال كيف وإنما أنا حسنة من حسناته، فدخل بلال بهذا العتق مرحلته الجديدة ليرى نفسه طليقا من قيوده، حرا في تعبده، يغشى مجالس النبى صلى الله عليه وسلم على خوف من قريش وملئهم فالدعوة لا تزال مستضعفة والداخلون في هذا الدين محاربون، ولكن سنة الله أن لا تدوم الحال ولا بد من تمييز الخبيث من الطيب فأذن الله لنبيه صلى الله عليه وسلم بالهجرة فهاجر صلى الله عليه وسلم وهاجر أصحابه معه وقبله وبعده فسجل بلال بهذا عملا صالحا آخر له فهو من أوائل المهاجرين فاستوطن المدينة وبدأت الدولة المحمدية تبسط نفوذها وتستجمع هيبنها، والشرائع الإلاهية تتوالى على مشرع البشرية فشرع الأذان فى رؤيا مشهورة حين رأى الصحابى عبد الله بن عبد ربه الأذان فى المنام، وأنه ينادى له “الله أكبر الله أكبر”
فأخبر عبد الله الرائي النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الرؤيا الحق فأمره عليه الصلاة والسلام أن يعلمه بلالا وقال إنه أندى منك صوتا، فنال بذلك هذه الوظيفة العظيمة بتعيين النبي صلى الله عليه وسلم ليكون المؤذن الأول في الإسلام والمقيم الأول لإمامة النبى صلى الله عليه وسلم فأكرم به من مؤذن وزد إكرما لذلك الإمام صلى الله عليه وسلم ولم يزل مؤذن النبى صلى الله عليه وسلم طول حياته حضرا وسفرا، ولا يزال قربه من النبى صلى الله صلى الله عليه وسلم يتنامى ومحبته له تتزايد حتى كان خازن النبى صلى الله عليه وسلم على بيت المال، وخطب النبى صلى الله عليه وسلم النساء يوم العيد بعد خطبته للرجال فقام متوكئا على بلال فحث النساء على الصدقة فجعلن يتصدقن يلقين من حليهن وأقرطتهن في ثوب بلال رضي الله عنه.