محنة الانسان
كتب/ محمد الكعبي
(إن هذه الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها).
كلمات اطلقها سيد الشهداء في خضم صراع محتدم بين الحضارة المادية التي تجردت عن قيم السماء وسقطت في مهاوي الانحطاط المادي متخلية عن روح السماء وقيم الانسانية مستعينة بكل ابعادها الشيطانية وبين القيم والمبادئ السامية التي حلقت في سماء الشرف والوفاء والحب والتي تجسدت في بناء منظومة معرفية متجانسة بين النظرية والتطبيق لتشكل خارطة الطريق نحو هندسة الانسان الكامل ليصل إلى استخلاف الارض، لكن البعض ابى بحماقته الا ان يهبط من قطار الكمال الذي يسير على سكة العدل الالهي، فكانت هذه الكلمات الحسينية انفجارا كونيا ليسحق من يقف بوجهها وتفصله عن غيره.
كيف تغيرت؟
كيف تنكرت؟
كيف ادبر معروفها؟
خرجت ممن هو الخبير بواقع الامة والذي عاش مراحلها ومحنتها حيث يعكس عمق الازمة الفكرية والاجتماعية والروحية التي عصفت بالامة والتي كانت تعيش صراع القيم والنبل والشرف، ولعل الإمام علي (ع) من احسن في وصفها في قوله: يا دنيا إليك عني، أبي تعرضت أم إلي تشوقت؟ لا حان حينك، هيهات غري غيري، لا حاجة لي فيك، قد طلقتك ثلاثا لا رجعة فيها، فعيشك قصير، وخطرك يسير، وأملك حقير).
اذن اي دنيا التي تغيرت مادام حالها هكذا منذ سالف العصور؟ طبعا المقصود اهلها، اهلها الذين فقدوا هويتهم.
عاشت الامة بعد رحيل المصطفى (ص) ثلاث حالات
اولا: التغير.
ثانيا: التنكر.
ثالثا: ادبار المعروف بينهم.
التغير: انه انقلاب في المفاهيم والمتبنيات فلم تعد تلك المبادئ التي جاء بها النبي (صلى الله عليه و آله) حاضرة عند الاغلب.
التنكر: لان اهل الباطل لبسوا لباس اهل الحق، وهذه محنة حقيقية مازلنا ندفع ثمنها فيقع الكثير منا في شباك الباطل ظنا منه انه الحق.
ادبار المعروف: هذه نتيجة طبيعية لتلك المقدمات، وهي التغير والتنكر، من هنا بدأ المجتمع يتسافل وينحدر إلى مرحلة القطيعة التامة مع منظومة الخير والآدمية.
يعيش الانسان خطين، الاول: خط الدنيا، والثاني: خط الاخرة، فبإرادته يمد خطه إلى الاخرة، أو يقطعه ويتمسك فقط بالدنيا، ولكل واحد منها منهج خاص ونتائج مختلفة تماما، فالاول ليس له الا الدنيا، والثاني تكون الدنيا عنده وسيلة للوصول إلى الاخرة. المجتمع الذي يميل إلى بريق الذهب وسطوت السلطة سيتخلى عن قيمه حتما، ولا فرق بين من يرتدي لباس الإيمان والتقوى ويحوّل الدين إلى بقرة حلوب، وبين من يستخدم الدين غطاءاً لمشروعه السياسي، يا لها من محنة حيث يعيش الاحرار غرباء في اوطانهم وما أصعب الالم عندما يرون سيادة الباطل، وما أتعس الحياة وأشقاها تحت نير الذل والهوان وعبودية الاصنام المتنفسه.