أخبار سياسية - اقتصادية - فنية - رياضية - عربية - دولية

الدكرورى يكتب عن المنّ والسلوي في رحلة التيه ” جزء 11″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الحادى عشر مع المنّ والسلوي في رحلة التيه، لكن قل ما يتفطن الشخص إلى أن الأمم قد تتيه والشعوب قد تتيه، والدول قد تتيه، وأيضا إذا قلنا بعد هذا كله بأن الأمم والشعوب قد تتيه، فإن الذهن ينصب إلى تيه بني إسرائيل، وكيف أن الله عز وجل جعلهم يتيهون في الأرض أربعين سنة، حتى هلك ذلك الجيل، وخرج من أصلابهم جيلا، تم على يديه فتح بيت المقدس، أقول بأن الذهن قد ينصرف إلى هذا النوع من تيه الأمم والدول، وهو التيه الحسي، ولكن هناك نوع آخر من التيه، وهو الذي تعيشه أمتنا هذه الأيام، ألا، وهو التيه المعنوي، إنه تيه في الأفكار، وتيه في التصورات، وتيه في المشاعر، وتيه في السلوك، وتيه في الأخلاق، وتيه في تعلم العلوم النافعة، وتيه في إصلاح أوضاع المجتمعات.

 

 

 

 

وأنواع أخرى من التيه تعيشها أمتنا، فما تكاد أن تلتف يمنة ويسرة، إلا وتجد التيه والضياع، تيه في كل المجالات، إلا ما رحم الله، ويحلل بعض العلماء، وبعض المفكرين، ويقولون بأن التيه التي تعيشه أمتنا هذه الأزمان، إنها تربية للأمة، فكما أن بنو إسرائيل تربت في التيه، وخرج منهم ذلك الجيل الذي فتح الله على يديه بيت المقدس، فإن التيه التي تعيشه أمتنا والعلم عند الله تعالى أنه لنفس الغرض، وهو أن الكوادر الموجودة الآن في العالم الإسلامي كله من أقصاه إلى أقصاه، ليس مؤهلا لإصلاح الأوضاع، وليس مؤهلا لتحرير الأرض المغتصبة، وليس مؤهلا بالارتقاء بالأمة، ونزعها من الوحل الذي تعيش فيه، فالأمة بحاجة إلى تربية، ولعل أن التيه الذي تمر به الأمة.

 

 

 

 

 

هذه الأوقات تربي جيلا قادما متكاملا في جميع الجوانب، ويكون الفتح والنصر على يديه، فإن الكوادر والطاقات الموجودة الآن في الأمة بكافة قطاعاتها عاجزة عن التغيير، قاصرة عن العطاء، فلا بد من التيه لسنوات وسنوات، حتى يزول وينتهي هذا الجيل المتهالك، ويخرج الله جيلا قويا معطاء، تربى في ظلمات هذا التيه، وتحصن عقديا وفكريا وعلميا وخلقيا، يكون الفتح على يديه، ويكون تحرير الأرض على يديه، ويكون الإصلاح الشامل على يديه، فقال الله تعالى فى سورة يوسف ” والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون” وعندما يقال بذهاب هذا الجيل العاجز والقاصر، فإن هذا لا ينفي وجود عالم أو مفكر أو قائد أو خبير في أي مجال، ولكن يبقى هؤلاء آحادا لا يكفون للارتقاء بالأمة.

 

 

 

 

 

لأن حالات التغيير لا يكفيه الآحاد، بل يحتاج إلى طاقم متكامل في كل مجال، والذي يجري في الأرض كلها اليوم من محاولات لإبادة المسلمين، وكأن هذا كله والله أعلم لإخراج أجيال صلبة قوية، نشأت وتربت في المعارك والحروب، فتكون أصلب عودا، وأكثر عتادا، وأطول نفسا، وأكثر وعيا بحقيقة المعركة التي تدور في الأرض بين دين الله، وأعداء الله، فيتربون كما تربت بنو إسرائيل في ذلك التيه، والنتيجة إن شاء الله ضد مصالح من يخطط لإبادة الإسلام، ولو تعقلوا ما فعلو ذلك، فقال الله تعالى فى سورة الأنعام ” وكذلك جعلنا لكل نبى عدوا شياطين الإنس والجن يوحى بعضهم إلى بعض وخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوا ” ولقد وضع الله تعالى اللبنة الأولى للشريعة الموسوية.

 

 

 

 

 

على جبل في برية سيناء، ويتبين من قول التوراة ” الرب إلهنا معنا عهدا حوريب” وأن نبى الله موسى عليه السلام تلقى الوصايا العشر إلى جانب تعاليم أخرى على صخرة حوريب، وهناك أخذ من بني إسرائيل الميثاق بالعمل بها وتؤكد الآيات بأن على بني إسرائيل أن يذكروا دائما ذلك العهد الذي أخذ الله منهم عندئذ، ويتمسكوا به بقوة، ويعملوا به بصدق، لكي ينجوا من المصائب جميعا، وكما ورد في التوراة أنه قدر الله تعالى بسبب رفضهم سماع كلامه أن يكون النبي الموعود المثيل لموسى من خارج بني إسرائيل، من إخوتهم بني إسماعيل، ومع أن بني إسرائيل لم يقدروا أن يدخلوا إلى أرض كنعان في ذلك الوقت لعدم الإيمان.