الدكرورى يكتب عن الرسول في غزوة خيبر “جزء 9”
بقلم / محمـــد الدكــــروري
الرسول في غزوة خيبر “جزء 9″
ونكمل الجزء التاسع مع الرسول في غزوة خيبر، وعندما ازداد الجوع على المسلمين، قام بعض رجال الجيش الإسلامي بذبح بعض الحمير للأكل، والحقيقة أن العرب كانت تأكل الحمير في ظروف معينة، ولم يكن الأمر محرما على المسلمين في ذلك الوقت، ونصبوا القدور، ولم يكن هذا بعلم الرسول صلى الله عليه وسلم، ولما رأى الرسول النيران مشتعلة قال صلى الله عليه وسلم ” على أى شئ توقدون ” فهو يعلم أنه ليس مع الجيش لحم يطبخ، ولا شيء يوقد عليه نار، فقالوا يا رسول الله، نوقد هذه النيران على لحم، فقال ” أى لحم ” فقالوا لحوم الحُمر، يعني لحوم الحمر التي تستخدم في النقل، وهذه الحمير لم تكن محرمة على المسلمين حتى هذه اللحظة، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف الصعب قام ونهى عن أكل لحوم الحُمر الأهلية، وقال صلى الله عليه وسلم ” لا تأكلوا لحوم الحمر شيئا وأهرقوها ”
وإنه لموقف صعب حقا، فالصحابة في ضائقة وجوع شديد، وبدأت اللحوم تنضج ورائحة اللحوم بدأت تظهر، والصحابة متشوقون للأكل، ثم أتى النهي من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا النهي لا ينصاع له إلا مؤمن كامل الإيمان، وبفضل الله فإن جميع الجيش بلا استثناء، قد نجح في هذا الاختبار، ولم يأكل أحد من هذه اللحوم، بل إن الرسول لم يكتف بتحريم الأكل من لحوم الحُمر الإنسية، وإنما قال ” أهرقوها واكسروها ” وذلك ليختفي كل أثر لهذه اللحوم، فسأل بعض الصحابة، أو نهرقها ونغسلها ؟ يعني بدل الكسر نغسل القدور، فقال صلى الله عليه وسلم ” أو ذاك ” وفي ظل هذه الأزمة الكبيرة وبعد استجابة الصحابة لأمر الرسول، لجأ المسلمون لجوءا كاملا إلى الله، وهذا من أبلغ الفوائد في الأزمات، لجوء المسلمين الصادقين إلى الله، ليفتح لهم أبواب الرحمة.
ووقف المسلمون يدعون مع الرسول صلى الله عليه وسلم، هو يدعو وهم يؤمنون، فقال صلى الله عليه وسلم “اللهم إنك قد عرفت حالهم وأن ليست بهم قوة، وأن ليس بيدى شئ أعطيهم إياه فأفتح عليهم أعظم حصونها عنهم غناء، وأكثرها طعاما وودكا ” وبفضل لجوء المسلمين إلى الله تعالى، فقد جاء النصر من السماء، ففي اليوم التالي فتح الله عليهم حصن الصعب بن معاذ، وهذا من أغنى حصون خيبر بالطعام والشراب، وما لذ من ألوان الطعام المختلفة، ووجدوا فيه الطعام والودك كما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكل الناس وشبعوا واستكملوا الحرب، ثم انتقلوا بعد ذلك إلى حصن قلعة الزبير، وهو الحصن الثالث في المنطقة، وحصن قلعة الزبير من أمنع الحصون أيضا في هذه المنطقة، وكما يقول الرواة، لا تقدر عليه الخيل والرجال لأنه فوق قمة جبل ومن الصعب الوصول إليه.
وقد فرض الرسول صلى الله عليه وسلم عليه الحصار، وظل الحصار ثلاثة أيام، ثم ألقى الله الرعب في قلب رجل من اليهود فأتى وتسلل من الحصن، وجاء إلى الرسول وطلب الأمان، وقال له يا أبا القاسم، إنك لو أقمت شهرا تحاصرهم ما بالوا بك، إن لهم شرابا وعيونا تحت الأرض، يخرجون بالليل ويشربون منها، ثم يرجعون إلى قلعتهم دون أن يشعر المسلمون بهم، وقال اليهودي فإن قطعت مشربهم عليهم خرجوا لك، لأنهم لا يستطيعون أن يعيشوا من غير ماء، فوصل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هذه المياه وقطعها عن اليهود، فخرجوا إليه وقاتلوا قتالا شديدا، واستمر القتال حتى انتصر المسلمون وافتتحت قلعة الزبير، وكان القتال في منتهى الضراوة، وبعد فتح قلعة الزبير انتقل اليهود إلى قلعة أبي وتحصنوا فيه، وفرض المسلمون عليهم الحصار، وقام بطلان من اليهود واحد بعد الآخر بطلب المبارزة،
وقد قتلهما أبطال المسلمين، وكان الذي قتل المبارز الثاني هو البطل المشهور أبو دُجانة سِماك بن خَرشة الأنصاري صاحب العصابة الحمراء، وقد أسرع أبو دجانة بعد قتله إلى اقتحام القلعة، واقتحم معه الجيش الإسلامي، وجري قتال مرير ساعة داخل الحصن، ثم تسلل اليهود من القلعة، وتحولوا إلى حصن النزار آخر حصن في الشطر الأول، وكان هذا الحصن أمنع حصون هذا الشطر، وكان اليهود على شبه اليقين بأن المسلمين لا يستطيعون اقتحام هذه القلعة، وإن بذلوا قصاري جهدهم في هذا السبيل، ولذلك أقاموا في هذه القلعة مع الذراري والنساء، بينما كانوا قد أخلوا منها القلاع الأربعة السابقة، وفرض المسلمون على هذا الحصن أشد الحصار، وصاروا يضغطون عليهم بعنف، ولكون الحصن يقع على جبل مرتفع منيع لم يكونوا يجدون سبيلا للاقتحام فيه، أما اليهود فلم يجترئوا للخروج من الحصن، وللاشتباك مع قوات المسلمين.