أخبار سياسية - اقتصادية - فنية - رياضية - عربية - دولية

الرسول في غزوة خيبر “جزء 8”

الدكرورى يكتب عن الرسول في غزوة خيبر “جزء 8”

بقلم / محمـــد الدكــــروري

الرسول في غزوة خيبر “جزء 8”

ونكمل الجزء الثامن مع الرسول في غزوة خيبر، إذ كانت يهود خيبر لايظنون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يغزوهم لمنعتهم وحصونهم وسلاحهم وعددهم، فكانوا يخرجون كل يوم عشرة آلاف مقاتل صفوفا ثم يقولون، محمد يغزونا؟ هيهات، هيهات، ولم يثن من عزمهم منعة حصونهم، بل تحركوا إلى خيبر تملؤهم الثقة بالله، والاطمئنان إلى وعده بالنصر، وتدفعهم عقيدتهم الصافية وإخلاصهم لإعلاء كلمة الله، فانطلقوا مهللين مكبرين رافعين أصواتهم بذلك، والتقى الجمعان وأبدى المسلمون من ضروب الشجاعة والتضحية في سبيل الله ما أذهل اليهود، وجعلهم يستميتون في الدفاع عن أنفسهم وعن حصونهم، وقد أظهر فيها المسلمون شجاعةً وإقداما عظيمين، وكان النصر فيها حليف المسلمين، ورأى اليهود منهم ما زلزلهم وقذف الوهن في قلوبهم.

وكان ذلك عندما لم يستجب اليهود لدعوة المسلمين لهم بالدخول في الإسلام، وأصروا على القتال، بل أخرجوا أحد قادتهم الكبار ليحارب المسلمين، وكانت عادة الحروب القديمة، أن يبدأ القتال بمبارزة بين فارسين من كلا الجيشين، والمنتصر في هذه المبارزة يُعطي دفعة معنوية كبيرة لفريقه إن انتصر في هذه اللحظات الأولى من القتال، وقد أخرج اليهود أحد أبطالهم، وكان من أشد الفرسان في تاريخ العرب بصفة عامة، وهذا الرجل كان اسمه مرحبا، وكان رجلا عملاقا ضخم الجثة، وخرج للقتال وطلب المبارزة، فخرج له عامر بن الأكوع، وسرعان ما دارت المبارزة بين الاثنين، وضرب عامر بن الأكوع مرحبا اليهودي ضربة كبيرة، ولكن الضربة طاشت ولم تصل إلى مرحب، وأكملت الطريق إلى رُكبة عامر فَقتل بسيفه، فاستشهد.

فقال الصحابة، قد قتل نفسه، وتأثر الصحابة بهذا الموقف، بل وصل الأمر إلى أن بعض الصحابة قالوا، حبط عمله، وكأنه قتل نفسه بإرادته، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم، علق بعد ذلك على هذه الحادثة، وأثنى على عامر بن الأكوع، وقال ” إن له أجرين ” وجمع بين إصبعيه، ثم قال صلى الله عليه وسلم ” إنه لجاهد مجاهد قَلَّ عربى مشى بها مثله ” يعني نادرا من العرب الذي مشى في أرض المعركة مثل عامر بن الأكوع، ولكن ما حدث كان في الحقيقة أزمة، وحدث نوع من الهزَّة عند المسلمين، وارتفعت الروح المعنوية عند اليهود، ووقف مرحب، القائد اليهودي يطلب القتال من جديد بعد أن ارتفعت معنوياته في هذه اللحظات الأولى من القتال، فخرج له البطل الإسلامي علي بن أبي طالب حاملا راية المسلمين في غزوة خيبر.

ودار بينهما قتال شديد عنيف، ثم منَّ الله تعالى على، علي بن أبي طالب بالنصر، كما تنبأ بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم، وقتل علي بن أبي طالب مرحبا، وكان قتله إشارة كبيرة إلى أن النصر سيكون للمسلمين إن شاء الله، لأن هذا الرجل كان أقوى رجل في اليهود، وكان اليهود لا يتخيلون أبدا أن يقتله أحد من المسلمين، وخرج أخو مرحب وكان اسمه ياسرا وكان يريد الثأر لأخيه، وكان من عمالقة اليهود أيضا، يطلب القتال، فخرج له الزبير بن العوام، واستطاع الزبير بن العوام أن يقتل ياسرا أخا مرحب، وكان ذلك بداية الانتصار للمسلمين، وقد احتدم اللقاء بين الصحابة وبين اليهود، فهذا اللقاء لم يكن ساعة أو ساعتين، ولكنه استمر عدَّة أيام متصلة، وهذا غريب في عُرف القتال، فكما رأينا قبل ذلك في بدر وفي أحد وفي غيرها كان اللقاء يوما واحدا.

ولكن في هذا اللقاء الشديد دارت المعركة أكثر من يوم حتى تسلل اليهود من حصن ناعم وتركوه فارغا للمسلمين، وكان هذا التسلل ليلا، وانتقلوا إلى الحصن الذي وراءه، وتحصنوا في حصن الصعب بن معاذ، واحتل المسلمون حصن ناعم، وكان هذا إضافةً كبيرة للجيش الإسلامي في غزوة خيبر، وتوجه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى حصن الصعب، وحاصر الحصن حصارا شديدا، وكان حصن الصعب بن معاذ أشد خطورة وصعوبة من حصن ناعم، وأحكم المسلمون الحصار على حصن الصعب بن معاذ، ومع أن الحصار كان شديدا، ومع أن فتنة الحرب كانت كبيرة، إلا أن الله أراد أن يبتلي المؤمنين، فأوقعهم في أمر صعب إلى جوار صعوبة الحرب، وهو أمر الجوع، إذ دخل المسلمون في جوع شديد جدا لدرجة أن الصحابة قالوا لقد جهدنا وما بأيدينا من شيء فأصبح الموقف حرجا للغاية.