الدكرورى يكتب عن الرسول في غزوة خيبر “جزء 5”
بقلم / محمـــد الدكــــروري
الرسول في غزوة خيبر “جزء 5”
ونكمل الجزء الخامس مع الرسول في غزوة خيبر، ولم يسمح النبي صلى الله عليه وسلم للمنافقين وضعفاء الإيمان الذين تخلفوا في الحديبية بالخروج معه، فلم يخرج معه إلا أصحاب الشجرة، تصديقا لقوله سبحانه وتعالى “سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم، يريدون أن يبدلوا كلام الله، قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل، فسيقولون بل تحسدوننا بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا” وقد قال القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية، يعني مغانم خيبر لأن الله عز وجل وعد أهل الحديبية فتح خيبر وأنها لهم خاصة، من غاب منهم ومن حضر، وثارت الحمية في قلوب المسلمين لقتال عدوهم، ولم يفت في عضد المسلمين كثرتهم وقوتهم، ولم يثن من عزمهم منعة حصونهم، بل تحركوا إلى خيبر تملؤهم الثقة بالله، والاطمئنان إلى وعده بالنصر.
وتدفعهم عقيدتهم الصافية وإخلاصهم لإعلاء كلمة الله تعالى، فانطلقوا مهللين مكبرين رافعين أصواتهم بذلك، حتى أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرفقوا بأنفسهم، وقال لهم “إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنكم تدعون سميعا قريبا وهو معكم” وقد نزل الجيش بقيادة النبي صلى الله عليه وسلم، بواد يُقال له الرجيع، وكان بين اليهود وبين غطفان، وذلك ليحولوا بينهم وبين أن يمدوا أهل خيبر، وقد سمعوا بخروج النبي صلى الله عليه وسلم لخيبر، فجمعوا جموعهم، وخرجوا ليظاهروا اليهود، فلما ساروا مسافة، سمعوا خلفهم في أموالهم وأهليهم حسا، فظنوا أن المسلمين قد خالفوا إليهم، فرجعوا على أعقابهم، وأقاموا في أهليهم وأموالهم، وخلوا بين الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وبين خيبر، وكفى الله المؤمنين مؤونة قتالهم.
ولما أشرف الجيش الإسلامي على خيبر، وقف النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ربه ويستنصره، فقال “اللهم رب السماوات السبع وما أظللن، ورب الأرضين السبع وما أقللن، ورب الرياح وما ذرين، ورب الشياطين وما أضللن، نسألك خير هذه القرية وخير أهلها، ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها” وقدم المسلمون خيبر، وروحهم المعنوية كأفضل ما يكون، سموا وبذلا وتضحية في سبيل الله وكان قدومهم ليلا ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتى قوما بليل، لم يُغر، بهم حتى يصبح، فلما أصبح خرجت اليهود بمساحيهم ومكاتلهم، وقد حقق النبي صلى الله عليه وسلم بذلك عنصر مفاجأة اليهود، حين رأوا جحافل الجيش الإسلامي مرابطة أمام مدينتهم فأوقع ذلك الاضطراب بينهم، وارتدوا إلى حصونهم هاربين فزعين.
وقد حاصر المسلمون حصون خيبر متأهبين لقتال اليهود، وقد أخذوا أسلحتهم وأعدوا عدتهم لذلك، وقد وضح النبي الكريم صلى الله عليه وسلم لصحابته شرطين رئيسين للحصول على النصر بإذن الله وهما حب الله تعالى ورسوله، والثبات في المعركة وعدم التولي في الزحف، وقد تطلع الصحابة رضوان الله عليهم إلى نيل هذا الشرف، وتمناه كل واحد منهم، فقد روى الإمام البخاري رحمه الله “فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها، فقال “أين علي بن أبي طالب؟” فقيل هو يا رسول الله يشتكي عينيه، قال “فأرسلوا إليه” فأتي به فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه ودعا له فبرأ” ثم سلمه الراية، وأوصاه بدعوة اليهود إلى الإسلام قبل مداهمتهم وقتالهم، فالدعوة إلى الله ليست في حال السلم فقط.
بل قد تكون والمسلم في قلب المعركة، فالمسلم داع إلى الله تعالى قبل أن يكون مقاتلا، والدعوة إلى الله هي الأصل، والهداية خير من القتل، فقال له صلى الله عليه وسلم “انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، واخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حُمر النعم” وهذه الوصية تظهر مدى حرصه صلى الله عليه وسلم على هداية الناس ودخولهم في الإسلام حتى لو كان ذلك سببا في تفويت الغنائم على المسلمين، وقد التقى الجمعان، وأبدى المسلمون من ضروب الشجاعة والتضحية في سبيل الله ما أذهل اليهود، وجعلهم يستميتون في الدفاع عن أنفسهم وعن حصونهم، وإن السبب الأول لهذه الغزوة هو أن يحقق المسلمون السلام والأمن والهدوء في المدينة المنورة وما حولها ويوقفوا سلسلة الدم التي استمرت فترة ليست قصيرة من الزمن.