أخبار سياسية - اقتصادية - فنية - رياضية - عربية - دولية

الصحابى الجليل جليبيب 

الدكرورى يكتب عن الصحابى الجليل جليبيب 

بقلم / محمــــد الدكـــــرورى

الصحابى الجليل جليبيب

إن التذكير بالرعيل الأول من الصحابة والتابعين له ضرورة عظمى في هذا الزمان، وتربية النشيء على قصصهم وما كانوا عليه، له أثر عظيم جليل، فنحن في زمان أصبح قدوة النشيء فيه الممثلون واللاعبون، يحفظون أسماءهم، ويقلدون لباسهم وأشكالهم، بل ويعرفون حتى تفاصيل حياتهم، فانعكس ذلك سلبا علينا وعليهم، والسبب هو جهلهم بأولئك الأعلام، وخلو عقولهم مما كان عليه السلف الصالح من دين وخلق وبطولات وصفات عظام، فأين اليوم من يجمع بنيه ويقص عليهم قصصا عن الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وعن الصحابة والتابعين، وعن أبطال هذا الدين ومن يواليه.

فهذا صحابي جليل لا يعرفه الكثير منا، لأنه كان فقير الحال، لكنه كان غنيا بالإيمان، وقال أنس بن مالك رضي الله عنه، أنه كان رجل من أصحاب النبي صل الله عليه وسلم، وكان في وجهه دمامة وكان فقيرا ويكثر الجلوس عند النبي صل الله عليه وسلم، ولقد كان في فترة شبابه، فترة الطاقة والحيوية والنشاط، فترة الصحة والقوة والرشاقة، فترة إذا أحسن استغلالها، كان لها عظيم الأثر النافع على الشخص ومن حوله، وهكذا حدث وتم معه على أكمل وجه، فنتج لنا ذلك عظيما من العظماء، قد سجل التاريخ اسمه بحروف من نور، وكان رضي الله عنه حسن الخلق، وكانت فيه دعابة، وكان عزبا لم يتزوج بعد، أحبه النبي صلى الله عليه وسلم حبا شديدا .

وقال له النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم مداعبا إياه: يا جليبيب ألا تتزوج؟ فقال يا رسول الله، ومَن يزوجني؟ استنكر السؤال، لأنه ليس له أسرة معروفة ولا مال ولا جمال، فقال له النبى الكريم صلى الله عليه وسلم أنا أزوجك يا جليبيب ، فالتفت جُليبيب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال إذن تجدني كاسدا يا رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم غير أنك عند الله لست بكاسد، ورفع النبي صلى الله عليه وسلم من معنوياته، ودعمه دعما نفسيا، فكسر الحاجز النفسي بمداعبته والترفيه معه، وتكفل بنفسه صلى الله عليه وسلم بتزويجه، ولقد حدث ذات مرة أن نضلة بن عبيد المشهور بكنيته أبو برزة الأسلمي رضي الله عنه والذي كان يهتم بالأرامل والفقراء والمساكين، وكان يطعمهم غدوة وعشيا، شكا بأن جليبيبا كان يدخل على النساء يمر بهن ويلاعبهن ، فقال لامرأته يوما لا يدخلن عليكم جليبيب، فإنه إن دخل عليكم لأفعلن ولأفعلن .

ويبدو أن خبر جليبيب وصل للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم، فأراد بتربيته الحكيمة أن يعيد تأهيل جليبيب، وأن يصنع منه عظيما من العظماء ، ولم يزل النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يعيد تربيته بنفسه وتأهيله للحياة، ويتحين فرصة تزويجه إلى أن سنحت له الفرصة بذلك، حتى جاءه رجل أنصاري يعرض ابنته عليه، أخبر النبي أباها بأنه يريدها، ففرح الرجل لطلب النبي إياها، ثم لما أخبره النبي بأنه يريدها لجليبيب أبدى الرجل تراجعا، لعلمه أن جليبيب ليس مؤهلا لأن يكون زوجا يتكفل ويرعى أسرة، وغاب عن ذهنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قام بإعداده وتربيته وتأهيله، ليخوض معركة الحياة بكل بسالة، وليكون مسؤولا ليس عن نفسه أو أهله فحسب، بل عن أمة الإسلام كلها.

وظهر رفض شديد من تلك الأم لذلك الشاب، فهم الرجل بالقيام ليخبر النبي صلى الله عليه وسلم بعدم رغبتهم بقبول جليبيب زوجا لابنتهم، إلا أن ابنتهم فطنت لشيء غاب عن ذهن أبويها، مَن الذي يخطبها لجليبيب؟ أجليبيب نفسه أم النبي؟ وإن كان جليبيبا بنفسه، فلا حرج في رفضه لعلمهم بعدم كفاءته، وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يخطب له، فهناك في الأمر خير كثير، فلم تشغل تلك الفتاة بالها في مدى وسامة أو دمامة ذلك الشاب، ولا في مدى غناه وفقره، وغير ذلك من مقاييس الناس في الزواج، بل ركزت على جانب مهم فطنت إليه، وأهدى الله عقلها له، وعرفت حقا أين يكمن معنى السعادة .

فمن الذي يخطب لي، إنه أشرف الخلق وأحكمهم صلى الله عليه وسلم، ويخطب لي من؟ يخطب لي جليبيبا الذي رباه بيديه وتحت عينه وسمعه، وأحبه حتى أصبح قطعة من قلبه صلى الله عليه وسلم، لقد أعاد تأهيله وتكوينه الخلقي والنفسي، ليبدأ حياة العظماء، هكذا فكرت، فيكفيها فخرا وشرفا أن النبي بنفسه هو الذي اختارها عروسا لمن رباه بيديه، فما أحكم عقل تلك الفتاة، واقتنع الأبوان برأي ابنتهما وقالا لها، صدقتى، وانطلق أبوها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره فقال شأنك بها فزوجها جليبيب إن كنت قد رضيته فقد رضيناه، وافق الأبوان على الزواج بعد مشاورة البنت ومعرفة رأيها السديد في الأمر، ووكلا الحبيب صلى الله عليه وسلم في تزويجها .

وتم أمر زواجهما، وبارك النبي صلى الله عليه وسلم زواجهما داعيا لتلك الفتاة “اللهم صُب عليها الخير صبا صبا، ولا تجعل عيشها كدا كدا” واجتمعا معا تحت سقف واحد في بيت دعائمه الحكمة والإيمان بالله تعالى، والتقوى والرضا، وغيرها من الدعائم القويمة التي سواها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وهيأها لنشأة ذلك البيت الجديد، وساعد الزوجان بعضهما، وأخذ كل منهما بيد الآخر في طريقهما للنجاح والفلاح في الدنيا والآخرة، ولم تمضى إلا أيام قليلة على زواجهما، ونادى منادي الجهاد يا خيل الله اركبي بأن الرسول صلى الله عليه وسلم خارج في مغزى له، فخرج الصحابى جليبيب رضي الله عنه ليشارك النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في ذلك المغزى.

وبينما الرجل في خضم فرحته بالزواج الذي كان يظن أنه لن يطاله، وبين يديه امرأة حلم بضمها إليه لتكون عفافه وسكنه، نادى مناد الجهاد في سبيل الله، ففز جليبيب يريد ما عند الله، قال فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة له، وجليبيب معه، فلما أفاء الله عليه، يعني نصره الله في المعركة، قال لأصحابه رضي الله عنهم “هل تفقدون من أحد؟” قالوا نفقد فلانا ونفقد فلانا، فقال صلى الله عليه وسلم “انظروا هل تفقدون من أحد؟ قالوا لا، قال صلى الله عليه وسلم “لكنني أفقد جليبيبا، فاطلبوه في القتلى” يعني ابحثوا عنه بين القتلى، فطلبوه فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتلوه، فقالوا يا رسول الله ها هو ذا قد قتلهم ثم قتلوه، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام عليه، فقال “قتل سبعة وقتلوه، هذا مني وأنا منه، هذا مني وأنا منه” مرتين، أو ثلاثا.

ثم وضعه رسول الله على ساعديه، وأمر بأن يحفر له، وماله سرير إلا ساعد النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ثم وضعه في قبره رضي الله عنه، فما لبثت زوجته بعده، حتى تسابق على الزواج منها، كبار الصحابة رضي الله عنهم، فانظروا كيف أن هذا الصحابي باع دنياه واشترى آخرته، وقدم نفسه قربانا إلى الله، لأنه يعلم أن السعادة في طاعة الله، وانظر إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم “هو مني وأنا منه” أي على هديي وسنتي وطريقتي، وهذا إيماء من النبي صلى الله عليه وسلم أن جليبيبا قتل شهيدا، وهو بإذن الله من أهل الجنة، فهذه السعادة الحقيقية.