الدكرورى يكتب عن التكبر والإستهانة بالناس ” جزء 1″
بقلم / محمـــد الدكــــرورى
التكبر والإستهانة بالناس ” جزء 1″
إن الكبر هو استعظام الإنسان نفسه، واستحسان ما فيه من الفضائل، والاستهانة بالناس واستصغارهم، والترفع على من يجب التواضع له، والتكبر هو أن يرى المرء نفسه أكبر من غيره، وأرفع مقاما، وأجل قدرا، ولكن يجب أن يعلم المتكبر ويتفكر، وأن يعرف نفسه ويعرف صفات ربه تبارك وتعالى، ويكفيه ذلك في إزالة الكبر، فإنه مهما عرف نفسه حق المعرفة علم أنه لا يليق به إلا التواضع، وإذا علم صفات ربه عز وجل ،علم أنه لا تليق العظمة والكبرياء إلا لله سبحانه وتعالى، والكبرياء في صفات الله مدح، وفي صفات المخلوقين ذم، فلا كبرياء لغير الله، فهو المتفرد بالعظمة والجلال والكمال والعزة والكبرياء، فتفكر في أصلك أيها الإنسان، وأعلم أنه هل أصل الإنسان إلا التراب.
ثم من نطفة قذرة، ثم من علقة، ثم من مضغة، ثم صار إنسانا بعد أن لم يكن شيئا مذكورا، فوجوده مسبوق بالعدم، وقوته مسبوقة بالضعف، وغناه مسبوق بالفقر، فلماذا نسيت أصلك أيها الإنسان، وتكبرت على ربك، وأنكرت فضله عليك، وأصابك العجب والغرور؟ وهل خرجت إلى الدنيا من دون فضله ؟ وهل مُنحت السمع والبصر والجوارح وسائر النعم لتتكبر وتتجبر وتكون من المفسدين ؟ وإعلم أن الكبر خلق من مساوئ الأخلاق، وخصلة من قبيح الخصال، وهو داء يصيب صاحبه بالتيه والعجب والغرور، فلا يرى إلا نفسه، ولا يرى فضلا لأحد ولا مكانة، وهو داء يصد صاحبه عن الحق ويجره إلى المهالك، وذلكم هو داء الكبر، وما أدراكما الكبر، هو داء ابتلي به كثير من الناس.
فعميت بسببه الأبصار عن الحق فلا تبصره، وغلفت بسببه القلوب عن الحق فلا تفقهه، ومن كان خسيسا فمن أين يجبر خسته ؟ بكمال غيره، وبمعرفة نسبه الحقيقي، وأعني أباه وجده، فإن أباه القريب وجده البعيد تراب، وأما التكبر بالغنى وكثرة المال وفي معناه كثرة الأتباع والأنصار والتكبر بالمناصب فكل ذلك تكبر بمعنى خارج عن ذات الإنسان ، وهذا أقبح أنواع الكبر، فلو ذهب ماله أو احترقت داره لعاد ذليلا، فإذا رأيت إنسانا متكبرا فاعلم أنه ينتحل صفة لا تليق بضعفه وعجزه وذله وهوانه، والكبر داء خطير، وشر مستطير، عواقبه وخيمة، ونتائجه سيئة في الدنيا والآخرة، من ابتلي به قاده إلى كل سوء، ومنعه من كل خير، فما من خلق ذميم إلا وصاحب الكبر مضطر إليه ليحفظ كبره.
وما من خلق محمود إلا وهو عاجز عنه خوفا من أن يفوته عزه، والكبر كبيرة من كبائر الذنوب، وهو من أول الذنوب والمعاصي التي ارتكبت في حق الله تبارك وتعالى، والكبر سبب من أسباب هلاك الأمم السابقة، فبكبرهم وعنادهم طغوا وتجبروا وظلموا وأفسدوا، تمردوا على خالقهم، واستنكفوا عن عبادته، وقاتلوا أنبياءه ورسله، وصدوا عن سبيله، فحق عليهم العذاب، وجاءهم الهلاك، وحل بهم الدمار، وأن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، قال ” لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، فقال رجل إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا، فقال صلى الله عليه وسلم “إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس” رواه مسلم.
وأن التكبر في شمائل الرجل كصعر في وجهه، ونظره شزرا، وفي أقواله حتى في صوته ونغمته، ويظهر في مشيته وتبختره وقيامه وجلوسه وحركاته وسكناته، فمن المتكبرين من يجمع ذلك كله، ومنهم من يتكبر في بعض ويتواضع في بعض، فمنها التكبر بأن يحب قيام الناس له أوبين يديه، ومنها أن لا يمشي إلا ومعه غيره خلفه، ومنها أن لا يتعاطى بيده شغلا في بيته، والتواضع خلافه، فجاء أن عمر بن عبد العزيز أتاه ليلة ضيوف، وكان يكتب فكاد السراج يطفأ فقال الضيف أقوم إلى السراج فأصلحه ؟ فقال ليس من كرم الرجل أن يستخدم ضيفه، قال أفأنبه الغلام ؟ فقال هي أول نومة نامها، فقام وملأ المصباح زيتا فقال الضيف قمت أنت يا أمير المؤمنين ؟ فقال ذهبت وأنا عمر، ورجعت وأنا عمر، ما نقص مني شيء.