الدكرورى يكتب عن نبي الله يوسف علية السلام ” جزء 19″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
نبي الله يوسف علية السلام ” جزء 19″
ونكمل الجزء التاسع عشر مع نبي الله يوسف علية السلام، ولما كان يوسف عليه السلام يعلم أن هذا هو جزاء السارق في شريعة بني إسرائيل، فقد قبل أن يحتكم إلى شريعتهم دون شريعة المصريين، ووافق إخوته على ذلك لثقتهم في أنفسهم، فأصدر يوسف الأوامر لعماله بتفتيش أوعية إخوته، فلم يجدوا شيئا، ثم فتشوا وعاء أخيه، فوجدوا فيه إناء الكيل، وتذكر إخوة يوسف عليه السلام ما وعدوا به أباهم من عودة أخيهم الصغير إليه، وهكذا مكن الله ليوسف أن يحتفظ بأخيه، أما الإخوة فقد احتاروا وجلسوا يفكرون فيما سيقولونه لأبيهم عندما يعودون، فقرر كبيرهم ألا يبرح مصر، وألا يواجه أباه إلا أن يأذن له أبوه، أو يقضي الله له بحكم، وطلب منهم أن يرجعوا إلى أبيهم، ويخبروه صراحة بأن ابنه سرق، فأخذ بما سرق.
وإن شك في ذلك؛ فليسأل القافلة التي كانوا معها أو أهل المدينة التي كانوا فيها، فعادوا إلى أبيهم وحكوا له ما حدث، إلا أن أباهم لم يصدقهم، ثم تركهم، وأخذ يبكي على يوسف وأخيه، حتى فقد بصره، فاغتاظ أبناءه، فرد يعقوب عليهم أنه يشكو أمره لله، وليس لأحد من خلقه، وطلب منهم أن يذهبوا ليبحثوا عن يوسف وأخيه، فهو يشعر بقلب المؤمن أن يوسف ما زال حيا، والمؤمن لا ييأس من رحمة الله أبدا، وتوجه الأبناء إلى مصر للمرة الثالثة يبحثون عن أخيهم، ويلتمسون بعض الطعام، وليس معهم إلا بضاعة رديئة، ولما وصلوا دخلوا على يوسف، فأخبرهم يوسف بحقيقته، وبفضل الله عليه، فاعتذر له إخوته، وأقروا بخطئهم، فعفا يوسف عنهم، وسأل الله لهم المغفرة، ثم سألهم يوسف عليه السلام عن أبيه.
فعلم منهم أنه قد فقد بصره بسبب حزنه عليه، وبعد أيام عاد إخوة يوسف عليه السلام إلى أبيهم، وبشروه بحياة يوسف عليه السلام وسلامة أخيه، ثم أخرجوا قميص يوسف، ووضعوه على وجه يعقوب، فارتد إليه بصره، وطلب إخوة يوسف من أبيهم أن يستغفر لهم، فوعدهم يعقوب بأنه سيستغفر لهم الله وقت السحر، لأن هذا أدعى إليه استجابة الدعاء، وغادر بنو إسرائيل أرضهم متوجهين إلى مصر، فلما دخلوها، استقبلهم يوسف عليه السلام بترحاب كبير، وأكرم أبويه، فأجلسهما على كرسيه، وهنا لم يتمالك يعقوب وامرأته وبنوه الأحد عشر أنفسهم حتى انحنوا تحية ليوسف عليه السلام وإكبار لوفائه، وتقديرا لعفوه وفضله، وتذكر يوسف عليه السلام رؤياه القديمة التي رآها وهو صغير، فالأحد عشر كوكبا بعدد إخوته، والشمس والقمر هنا أبواه.
ثم توجه يوسف إلى الله يشكره على نعمه، وبحسب دراسات المؤرخين وعلماء الآثار يوجد قبر نبى الله يوسف عليه السلام في شمال فلسطين في مدينة نابلس تحديدا، حيث يمكنك الوصول إليه عن طريق التوجه نحو المدخل الشرقي للمدينة، حيث يقع بالقرب من كنيسة النبي يعقوب من الجهة الشمالية الغربية وبجانب تل بلاطة، ويعتبر قبر النبي يوسف عليه السلام من أهم المواقع الأثرية والدينية في نابلس، حيث يقصدها العديد من الناس بهدف ديني من أجل التقرب من الله تعالى والحصول على رضاه وتخضع المنطقة التي يوجد فيها قبر النبي يوسف عليه السلام إلى حكم السلطة الوطنية الفلسطينية، ويتبع إلى وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، حيث تعتبر المسئول الأول عن أعمال ترميم القبر والمحافظة عليه والاهتمام به.
تبلغ مساحة مقام النبي يوسف عليه السلام ستمائة وستون متر مربع، وكان يتكون المقام قديما من بناء يحتوي على غرفتين، غرفة غربية وعرفة جنوبية، وهي الغرفة التي تحتوي على قبر نبى الله يوسف، ومن الممكن معرفتها عن طريق ملاحظة القبة التي تغطي سقفها، وبالإضافة إلى الغرفتين يحتوي المقام عل ساحة شمالية، وقام أهل مدينة بلاطة الواقعة بالقرب من المقام على أعمال توسيع بالمقام حيث قاموا بإضافة غرفة ثالثة إلى المقام، والتي استخدمت قديما كغرفة تدريس لأطفال المنطقة، ويحتوي الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل على مقام نبى الله إبراهيم عليه السلام ومقام آخر لنبى الله يوسف عليه السلام، وقد تم بناء هذا القبر في العصر العباسي من قبل أم احد الخلفاء العباسيين.