الدكرورى يكتب عن نبي الله يوسف علية السلام ” جزء 18″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
نبي الله يوسف علية السلام ” جزء 18″
ونكمل الجزء الثامن عشر مع نبي الله يوسف علية السلام، وهنا تذكر الساقي أمر يوسف عليه السلام، وطلب أن يذهب إلى السجن ليقابل يوسف عليه السلام، وهناك طلب منه أن يفسر رؤيا الملك، ففسر يوسف البقرات السمان والسنبلات الخضر بسبع سنين يكثر فيها الخير وينجو الناس فيه من الهلاك، ولم يكتف يوسف بتفسير الحلم، وإنما قدم لهم الحل السليم، وما يجب عليهم فعله تجاه هذه الأزمة، وهو أن يدخروا في سنوات الخير ما ينفعهم في سنوات القحط والحاجة من الحبوب بشرط أن يتركوها في سنابلها، حتى يأتي الله بالفرج، ولما عرف الساقي تفسير الرؤيا، رجع إلى الملك ليخبره بما قاله له يوسف عليه السلام ففرح الملك فرحا شديدا، وراح يسأل عن ذلك الذي فسر رؤياه، فقال الساقي، إنه يوسف، فقال الملك على الفور ائتوني به.
فذهب رسول الملك إلى يوسف عليه السلام وقال له أجب الملك، فإنه يريد أن يراك، ولكن يوسف رفض أن يذهب إلى الملك قبل أن تظهر براءته، ويعرف الملك ما حدث له من نساء المدينة، فأرسل الملك في طلب امرأة العزيز وباقي النسوة، وسألهن عن الأمر، فقلن معترفات بذنوبهن مقرَّات بخطئهن، ومعلنات عن توبتهن إلى الله تعالى، ما رأينا منه سوءا، وأظهرت امرأة العزيز براءة يوسف عليه السلام أمام الناس جميعا، عندئذ أصدر الملك قراره بتبرئة يوسف عليه السلام مما اتهم به، وأمر بإخراجه من السجن وتكريمه، وتقريبه إليه. ثم خيره أن يأخذ من المناصب ما شاء فقال ” قال اجعلنى على خزائن الأرض إنى حفيظ عليم ” فوافق الملك على أن يتقلد يوسف عليه السلام هذا المنصب لأمانته وعلمه، وتحققت رؤيا الملك.
وانتهت سنوات الرخاء، وبدأت سنوات المجاعة، وجاء الناس من كل مكان في مصر والبلاد المجاورة ليأخذوا حاجتهم من خزائن الملك، وفي يوم من الأيام، وأثناء توزيع الحبوب على الناس إذا بيوسف أمام رجال يعرفهم بلغتهم وأشكالهم وأسمائهم، وكانت مفاجأة لم يتوقعوها، إنهم إخوته، أبناء أبيه يعقوب، الذي ألقوه في البئر وهو صغير، لقد جاءوا محتاجين إلى الطعام، ووقفوا أمامه دون أن يعرفوه، فقد تغيرت ملامحه بعدما كبر، فأحسن يوسف إليهم، وأنسوا هم به، وأخبروه أن لهم أخا أصغر من أبيهم لم يحضر معهم، لأن أباه يحبه ولا يطيق فراقه، فلما جهزهم يوسف بحاجات الرحلة، وقضى حاجتهم، وأعطاهم ما يريدون من الطعام، فقد طلب منهم أن يردوا إليهم بضاعتهم، فأظهروا أن الأمر ليس ميسورا وسوف يمانع.
ليستبدلوا بها القمح والعلف في رحالهم بدلا من القمح فيضطروا إلى العودة إليه بأخيهم، وعاد إخوة يوسف إلى أبيهم، وطلبوا أخوهم أن يذهب معهم فرفض يعقوب، وذهب الإخوة إلى بضاعتهم ليخرجوها ففوجئوا ببضاعتهم الأولى التي دفعوها ثمنا، ولم يجدوا قمحا، فأخبروا والدهم أن بضاعتهم قد ردت إليهم، ثم أخذوا يحرجون أباهم بالتلويح له بمصلحة أهلهم في الحصول على الطعام، ويؤكدون له عزمهم على حفظ أخيهم، ويرغبونه بزيادة الكيل لأخيهم، فقد كان يوسف يعطي لكل فرد حمل بعير، ولم ينسى أن يوصيهم في هذا الموقف وينصحهم، وسافر الإخوة إلى مصر، ودخلوها من حيث أمرهم أبوهم، ولما وقفوا أمام يوسف، دعا أخاه الصغير، وقربه إليه، واختلى به، وأخبره أنه يوسف أخوه، ثم وزن البضاعة لإخوته.
فلما استعدوا للرحيل والعودة إلى بلادهم، إذا بيوسف يريد أن يستبقي أخاه بجانبه، فأمر فتيانه بوضع السقاية وهو إناء كان يكيل به في رحل أخيه الصغير، وعندما بدأت القافلة في الرحيل إذا بمناد ينادي ويشير إليهم فأقبل الإخوة يتساءلون عن الذي فقد، فأخبره المنادي أنه فقد مكيال الملك، وقد جعل لمن يأتي به مكافأة قدرها حمل بعير، وهنا لم يتحمل إخوة يوسف ذلك الاتهام، فدخلوا في حوار ساخن مع يوسف عليه السلام ومن معه، فهم ليسوا سارقين وأقسموا على ذلك، وهنا ينكشف التدبير الذي ألهمه الله يوسف، فقد كان الحكم السائد في شريعة بني إسرائيل أن السارق يكون عبدا للمسروق منه، ولما كان يوسف عليه السلام يعلم أن هذا هو جزاء السارق في شريعة بني إسرائيل، فقد قبل أن يحتكم إلى شريعتهم دون شريعة المصريين.