الدكرورى يكتب عن نبي الله يوسف علية السلام ” جزء 11″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
نبي الله يوسف علية السلام ” جزء 11″
ونكمل الجزء الحادى عشر مع نبي الله يوسف علية السلام، وهو في هذه المدة لم يفارق الحزن قلبه، وهو دائم البكاء حتى ابيضت عيناه من الحزن، وفقَد بصره، وهو صابر لأمر الله، محتسب الثواب عند الله تعالى، قد وعد من نفسه الصبر، ولا شك إنه وفى بذلك، ولا ينافي ذلك قوله ” إنما أشكو بثى وحزنى إلى الله ” فإن الشكوى إلى الله لا تنافي الصبر، وإنما ينافي الصبر الشكوى إلى المخلوق، وإن من الفوائد أيضا هو أن الفرج مع الكرب، فإنه لما اشتد الكرب بيعقوب وقال ” يا أسفى على يوسف ” وقال ” يا بنى اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ” وهم حين دخلوا على يوسف عليه السلام، وقفوا بين يديه موقف المضطر، فقالوا ” يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة ”
أي قليلة حقيرة، لا تقع الموقع، فأوف لنا الكيل ” وتصدق علينا إن الله يجزى المتصدقين ” فحينئذ لما بلغ الضر منتهاه من كل وجه عرفهم بنفسه، فحصل بذلك البشارة الكبرى لأبويه وإخوته وأهلهم، وزال عنهم الضر والبأساء، وخلفه السرور والفرح والرخاء، ومن تلكم القصص قصة نبي الله يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام، التي قال الله تعالى فيها ” نحن نقص عليك أحسن القصص ” فهى قصة ذلكم الشاب المتمسك بدينه، العاض عليه بالنواجذ، الذي كيد له منذ نعومة أظافره وريعان شبابه ممن يفترض منهم ولايته ونصرته، وظلم ذوي القربى أشد مرارة على المرء من وقع الحسام المهند فقد تم التآمر عليه من أقرب الناس إيه وهو إخوته، فيلقونه في البئر، ويرحمه الله تعالى من الآفات، ويطمئنه مولاه بظهوره عليهم.
ويتعرض بعد هذا لاسترقاق رقبته، يباع ويشترى، وهو نبي ابن نبي، الكريم بن الكريم، بل ولما قد يكون أشدة فتنة من ذلك، وهو العيش في داخل قصر الملك، ويبتلى بعد ذلك ليوقع في عفافه وسلوكه، فيعافيه الله من ذلك، ويهدد بعد بالسجن إن لم يفعل ما طلبته منه امرأة العزيز ذات المنصب والجمال، فيأبى، ويبقى على عفافه وطهره، ورغم ظهور نزاهته وصدقه يأبى الفجور والطغيان كما هي عادته، إلا أن يتمادى في غيه، وذلكم تغطية للكذب لما ادعي به عليه، فإن هذه الفتنة التي حصلت للكريم بن الكريم، وهي مراودة امرأة العزيز له، وتفهموا خطورة وجود الرجل الأجنبي في محيط النساء، وهنا أود أن أهمس في أذن من مكنوا السائقين من ولوج بيوتهم والتردد عليها في غيبتهم بحجة إيصال الحاجيات أو الذهاب بالنساء.
أو أولئك المزارعين الذين يجعلون نساءهم يختلطن بالعمال عند قطف المحاصيل أو غير ذلك، أقول لهم تذكروا هذه القصة، وأنه “ما خلا رجل بامرأة، إلا كان الشيطان ثالثهما” ومَن مِن هؤلاء كطهر يوسف وعفافه؟ فمن منهم سيقول معاذ الله، إنه ربي أحسن مثواي؟ أين من لا يبالون بالاختلاط بين الجنسين؟ أين من يرمون بناتهم في مجامع الرجال؟ أما يتقون الله ويحفظون أعراضهم ويبعدون الأجانب عن بيوتهم؟ ولقد كان يوسف عليه الصلاة و السلام أثناء محنته يعيش هم الدعوة إلى الله، مهتما بترسيخ التوحيد الخالص في النفوس، الذي هو وظيفته ووظيفة آبائه من قبل، فقال سبحانه وتعالى فى سورة يوسف.
” واتبعت ملة آبائى إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شئ ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون، يا صاحبى السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآبائكم ما أنزل الله بها من سلطان، إن الحكم إلا لله، أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون” وكان بعد هذه المحن العظمى، محنة التآمر على يوسف بالقتل التي خففت إلى إلقائه بالبئر، ومحنة تعرضه للاسترقاق، ومحنة ابتلائه في عفافه، ومحنة لبثه في السجن بضع سنين، وبعد هذا كله تظهر براءته عليه السلام، ثم يعلي الله شأنه وأمره، وقد امتلأت قصة نبى الله يوسف عليه السلام بالعبر والمعاني التي ترفع من المستوى الإيمانى والأخلاقى والسلوكى للمؤمن.