الإنسان الكايميرا بين الحقيقة والخيال
” ما هي الكايميرا ” ( Chimeras) ؟
و هل هي السبب وراء الكثير من العيوب الخلقية والشكلية في أعضاء بعض المرضى مثل عيوب تخليق القلب والجهاز العصبي؟ هل يمكن أن تكون السبب الرئيسي في عدم تماثل الأعضاء الموجودة في وجوهنا كالعينين غير المتساويتين بالحجم وفتحتي الأنف المختلفتين؟ والسؤال الأهم الشخص الكايميرا، يمكن إعتباره جسم واحد، ولكن هل يمكن إعتباره روحًا واحدة؟
لماذا هذا الإسم ؟
هو إسم مشتق من أسطورة الكايميرا .
الكايميرا (Chimeras) هو مخلوق أسطوري هجين، مشهور في الأساطير اليونانية القديمة، مكون من ثلاثة حيوانات،
رأس أسد ، مع رأس وجسم ماعز ،وذيل أفعى .
الكايميرا ليست فقط أسطورة قديمة، وإنما هي حالة طبية تحدث عند النبات والحيوان والإنسان.
ما هي آلية تشكل الكايميرا (Chimeras)؟
في الحالة الطبيعية، يتم إنتاج البويضة في مبيض الأنثى كل شهر وتبدأ بالخروج منه، وعندما تدخل الحيوانات المنوية القادمة من جسم الذكر إلى جسم الأنثى، واحدة فقط من بين ملايين الحيوانات المنوية تستطيع أن تخصب هذه البويضة وتتحد معها، ويتكون الجنين، الذي يمتلك الحمض النووي القادم من الأم والأب، (نصف الحمض النووي من الأم والنصف الآخر من الأب).
هناك حالات أخرى يتم إنتاج بويضتان من مبيض الأنثى كل شهر ويبدأن بالخروج منه، وعندما تدخل الحيوانات المنوية القادمة من جسم الذكر إلى جسم الأنثى، اثنان فقط من بين ملايين الحيوانات المنوية يقومان بتخصيب البويضتين والاتحاد معهما، وبالتالي يتكون جنينان كل واحد منهما يمتلك حمضًا نوويًا نصفه قادم من الأم والنصف الآخر قادم من الأب، ولكن هناك ثلاثة احتمالات عند تشكل التوائم وهم:
الاحتمال الأول:-
أن يكمل كلا الجنينين نموهما وهما منفصلين تمامًا، وعندما يولدان يكونان بحالة طبيعية، عبارة عن توأمين غير متطابقين.
الاحتمال الثاني:-
هو أن يختفي أحد الجنينين تمامًا، أي يتم امتصاص خلاياه عن طريق جسم الأم دون أن تشعر الأم نهائيًا بأية أعراض أو أن تلاحظ أية مشاكل، وهذه الحالة تعرف باسم متلازمة التوأم المتلاشي.
الاحتمال الثالث:-
هو أن يقوم أحد الجنينين بالتهام الجنين الآخر، كأن يندمج معه أو يلتحم معه ويصبحوا كائنًا واحدًا فقط. وهذه تحدث في المراحل الأولى من التخليق والتكوين للبويضتين المخصبتين، وبالتالي عندما يندمجوا مع بعض يتشكل جنين بشري واحد ولكن أنسجته في الأصل كانت ستشكل جنينان …
(أي أنهما لو ولدا بالحالة الطبيعية سيكونان كائنين بشريين غير متشابهين، كل واحد منهما يمتلك حمضًا نوويًا مختلفًا عن الآخر).
عندما يبدأ الجنين بالنمو وتبدأ خلاياه بالإنقسام والتشكل والنمو يمكن أن تكون أجزاء من هذه الخلايا قادمة من جنين آخر ،
* مثلًا خلايا الشعر
ممكن أن تحمل حمضًا نوويًا ما ،
* و خلايا الكبد
تحمل حمضًا نوويًا آخر.
* حتى أن دمه يمكن أن يحمل فصيلتين في نفس الوقت.
وماذا لو كان الجنين الآخر أنثى والجنين الثاني ذكر،
* هذا يعني جزء من خلاياه مؤنثة والجزء الآخر مذكرة.
أو
* أن تكون أحد الأعضاء مؤنثة والأعضاء الأخرى مذكرة مثل الأجهزة التناسلية .
وبالتالي سيولد الجنين وهو عبارة عن كايميرا إثنان في واحد.
هل هناك أمثلة على حالات الإصابة بالكايميرا (Chimeras)؟
هناك العديد من الأمثلة التي حدثت لعدة أشخاص والتي تبين حالات الاكتشاف المختلفة للكايميرا، من أهمها:-
المثال الأول :-
السيدة ليديا فيرتشايلد
والذي حدث في عام 2002م، عندما طلبت سيدة
(وهي أم لطفلين وحامل بطفلها الثالث) من زوجها بعد إنفصالها عنه أن يدفع نفقة أبنائها، طالبت المحكمة من السيدة الخضوع لفحص روتيني للحمض النووي لإثبات نسب الطفل لها ولزوجها.
النتيجة أثبتت عدم وجود تطابق بين الحمض النووي للأم وأطفالها على الرغم من وجود سجلات في المشفى تثبت ولادتها لهم في المشفى وفي تواريخ محددة. لهذا السبب عينت المحكمة متخصصين ليتابعوا عملية ولادة طفلها الثالث والتي كانت حاملة به بفترة القضية، بعد الولادة تم أخذ عينات من الأم ومن المولود واخضعوهم لاختبارات الحمض النووي للتعرف على نسب الطفل الجديد. النتيجة بينت أيضًا عدم وجود تطابق بين الحمض النووي للأم وطفلها المولود حديثًا.
لحل هذه القضية قام المتخصصون بأخذ عينات أخرى من جسم الأم (عينات من شعر الأم ومن جلدها ومن بعض الغدد ومن عنق الرحم) جميع العينات كانت نتيجتهم غير متطابقة باستثناء العينة التي اُخذت من عنق الرحم كانت متطابقة تمامًا. وبذلك تأكد المتخصصين باستنتاج أن الأم هي اثنان في واحد أي كايميرا.
المثال الثاني :-
اللاعبة الدانماركية فوكجي ديلميا (Foekje Dillema)
والتي كانت تمثل بلدها في أولمبياد 1950م، فقد تم إستبعادها من المشاركة في الألعاب الأولمبية النسائية وسحب الميدالية الذهبية منها وشطب الرقم القياسي الذي حققته في السابق، وذلك بسبب إكتشاف أن بعضًا من خلاياها ذات تركيب مذكر.
ولم يتم إثبات براءتها أو التعرف على حالتها، إلا بعد إجراء فحص لعدة خلايا من جسمها بعد ( وفاتها ) ، والتأكد من أنها كانت تعاني من مشكلة الكايميرا.
وللأسف هذه الحالة حدثت في الوقت الذي كان فيه الطب غير متقدم بالشكل الكافي ليفهم طبيعة هذه المشكلة.
ملحوظة
و كما نري أنا ذكرت الواقعة الأولي قبل الثانية بالرغم من فارق التوقيت الزمني بينهم ، لأن الواقعة الأولي هي التي بسببها تم إكتشاف هذا الإضطراب الجيني …
ما هي إحتمالية الإصابة بالكايميرا؟
الكايميرا ليست نادرة الحدوث بل إنها نادرة الإكتشاف ، وجد الأطباء أنه واحدة من بين ثمان حالات حمل تبدأ بحمل متعدد
(أي أكثر من بويضة تقابل أكثر من حيوان منوي).
وبالتالي يمكن أن يكون أي شخص إثنان في واحد وهو لا يعلم.
هل تعتبر الكايميرا (Chimeras) خطرة على صحة الجسم أم لا؟
الكايميرا لا تسبب مشاكل في قضايا الأبوة والبنوة، الإثبات والنفي فقط، هي أيضًا يمكن أن تسبب مشاكل طبية خطيرة.
في عام 2003م إحتاج مريض يبلغ من العمر حوالي 61 سنة أثناء القيام بعملية جراحية إلى كيس دم، وتم نقل الدم إليه بعد إيجاد متبرع يملك نفس فصيلة الدم، ولكن وبشكلٍ مفاجئ حصلت ردة فعل عنيفة من جسم المريض بسبب الدم الذي استقبله.
كما هو معروف في علم الطب سبب ردود الفعل المفاجئة من الجسم تحدث نتيجة عدم تطابق فصيلتي الدم بين المريض والمتبرع. أي تبدأ خلايا المناعة في جسم المريض المستقبلة للدم بمهاجمة خلايا دم المتبرع وتدميرها.
ولكن في مثالنا خلايا دم المتبرع كانت متطابقة تمامًا مع خلايا دم المريض. إذن ماذا حدث؟؟؟
عندما حصلت أعراض الرفض من جسم المريض، اضطر الأطباء إلى إعادة فحص دم المتبرع مرة ثانية وبشكلٍ أكثر دقة، فظهر في نتائج الفحوص أن المتبرع يحمل فصيلتي دم مختلفتين، أي أنه باختصار كايميرا.
فصيلتي الدم التي كان يحملهما: O بنسبة 95% و B بنسبة 5%، على الرغم من أن نسبة فصيلة الدم B صغيرة جدًا إلا أنها غير متطابقة أو متوافقة مع فصيلة دم المريض وهذا الذي سبب ردود الفعل العنيفة من جسمه.
تفسير إجراء اختبارات توافق قبل القيام بعملية زراعة الأعضاء
بعض النظريات الطبية تثبت أن بعض المتبرعين بالأعضاء يمكن أن تكون الأعضاء التي تبرعوا بها تحتوي على بقايا أجزاء من خلايا الأجنة التي كانت لتوائمهم وهم مازالوا داخل الرحم أثناء الحمل، لذلك لا بد من إجراء اختبارات توافق بين المتبرع والمستقبل (المريض)، كما وتؤخذ عينات من خلايا الشخص المستقبل وعينات من خلايا الشخص المتبرع.
ولكن وفي حالات نادرة تكون العينة التي اُخذت من الشخص المتبرع عبارة عن نوع واحد فقط من نوعي الخلايا التي يتكون منها جسمه، ولا يظهر أثناء إجراء الفحوصات أنه يوجد خلايا أخرى يمكن أن تكون غير متوافقة مع جسم المريض المستقبل للعضو، وهذا هو السبب الرئيسي في فشل عملية زراعة الأعضاء.
حيث أن أجهزة المناعة عند المستقبلين تتعرف على الخلايا غير المتطابقة وترفضها، حالات الرفض هذه يمكن أن تكون خطيرة بشكلٍ كبير، ويمكن أن تسبب موت العضو المزروع، أو حتى المريض ذاته.
هل للكايميرا علاقة بأمراض المناعة الذاتية؟
بالتأكيد، وذلك لأنه يمكن أن يوجد أشخاص يحملون في أجسامهم خلايا توائمهم التي لم تكتمل ولم تولد، وبالتالي أجهزة المناعة التي يمتلكونها سوف تتعرف على هذه الخلايا الغريبة والمختلفة وتبدأ بمهاجمتها، أي أنها ستهاجم الأعضاء الخاصة بك وذلك لأن أعضائك الخاصة تمتلك خلايا ليست لك وإنما لتوأمك غير المتطابق. وهذا يفسر أسباب أمراض المناعة الذاتية التي لم يجد لها تفسير واضح إلى الأن في الطب، مثل أمراض الذئبة الحمراء وروماتويد المفاصل ووهن العضلات.
إذن كيف تستطيع خلايا دم الإنسان في حالة الكايميرا أن تتعايش مع بعضها؟
تفسير هذا السؤال هو أنه يوجد في جسم الإنسان ما يعرف بـ “Tolerance “والذي يحدث على مرحلتين:-
الأولى :-
في مرحلة الطفولة وبداية تكون الجهاز المناعي، حيث يتم عرض جميع الجزيئات على الخلايا المناعية وبناءً عليه الخلايا التي ستقوم بمهاجمة الجسم سيتم القضاء عليها.
الثانية :-
بعد ذلك يحدث ما يسمى بـ” Anergy” والذي يعني أن الخلايا المناعية تعدل من ردود فعلها وتدخل في مرحلة من الخمول عندما تتعرض لجزيئات غريبة عنها ولفترات طويلة.
والنقطة الهامة هو أن فصائل الدم عندما تكون متطابقة لا يعني أنها متطابقة 100%، التطابق يكون في الدم المنقول جزيئات أخرى تحفز جهاز المناعة أيضًا.
في النهاية …
أكدت دراسة دنماركية أن ثلث البشر عبارة عن كايميرا، ومع ذلك لا يوجد إلا مئة حالة فقط تم إكتشافها وإثباتها وتسجيلها في التاريخ الطبي، وطبعًا حالة وحدة كفيلة بأن تفتح باب التساؤلات حول إمكانية أن تكون الكايميرا هي السبب وراء الكثير من الحالات المرضية المختلفة.