الاتفاق الايراني السعودي برؤية عراقية
بقلم/ محمد الكعبي
لكل دولة مصالح تسعى لتحقيقها والحفاظ عليها، وتستخدم كل الطرق لديمومتها وتطويرها، وما حدث من اتفاق عودة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، وبرعاية صينية، واحدة من تلك المصالح المهمة والاستراتيجية التي تنعكس على المنطقة بشكل ايجابي، وانه فرصة جيدة للفاعل السياسي العراقي اذا احسن واجاد استثمارها، وذلك من خلال فتح آفاق جديدة للتعاون الثقافي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي والامني بين دول المنطقة من جهة والعراق من جهة أخرى، بحيث يكون للعراق دور محوري في القضايا المهمة والحساسة، لما يملك من اوراق تؤهله للانطلاق نحو الافضل والاحسن على جميع الصعد، ما يكسبه والمنطقة كلها مزيدا من الاستقرار السياسي والامني والاقتصادي، ونموا واسعا وناجحا، سواء مع الصين او غيرها. إن الاتفاق المبرم بين الطرفين، اسقط الكثير من الرهانات السياسية والاقتصادية والامنية الأمريكية والاسرائيلية، وهذا الاتفاق أسقط كل حجج التخوف من التاثير الامريكي، وفتح الباب على مصراعيه للعراق، للمشاركة والتعاون مع بكين، لانشاء شراكة استراتيجية جديدة، وفق توقيتات عراقية صينية مدروسة بعناية لمصلحة العراق والمنطقة والصين.
إن الاتفاق الايراني السعودي برعاية صينية وبمقدمات عراقية، درس مهم في عالم السياسة، لما فيه من حيثيات وابعاد متعددة ، على ان لا يكون العراق محسوبا على طرف على حساب ومصالح الطرف الآخر، وان لا ينجر لسياسة المحاور المتخاصمة، بل ان يكون لاعبا ممتازا لما ما يملك من خزين معرفي وسياسي واجتماعي واقتصادي وثقافي وجغرافي، وتاريخ مشرق يؤهله للانطلاق في آفاق أوسع.
لقد كان الكثير من الاصوات النشاز والمراهقة، تدوي من على شاشات الفضائيات تبوق باسم هذا الطرف أو ذاك، وتتخذ مواقف واراء على مقدمات قاصرة متقزمة، لا تعي السياسية ودهاليزها، وتتحدث كانها ممثل عن سياسة ورؤية تلك الحكومات، وهي في الحقيقة مجرد ابواق تريد تسجيل مواقف في المحافل والمؤتمرات والندوات، وقد نصبوا انفسهم ممثلين وناطقين عن هذه الدولة او تلك، وان كانت محل استهجان واستهزاء من قبل اغلب النخب السياسية.
ان المصالح المشتركة بين الدول تلعب دورا كبيرا في تقريب وجهات النظر وتعزز التواصل والتعاون بين الاطراف، وان انهاء الازمات والمشاكل بأنواعها وتجفيف منابع النزاع، تعود لمصلحة العراق والمنطقة، وتعزز موقفه الايجابي في العالم، وتعيش المنطقة في ظل استقرار امني وسياسي واقتصادي، وهذا ما تسعى اليه الحكومات الحكيمة الرشيدة، اما التي تعيش العقد وتفكر بلغة المؤامرة والتخوين فإنها ما تخرج من مازق الا تدخل بآخر . فحريا بالحكومات ان تفكر بمصلحة شعوبها وبلدانها وتطور مبانيها المفهومية وتعمل على حماية مصالحها.
إن أمن واستقرار الشرق الأوسط يشكل هاجسا لدى ايران والسعودية مما جعلهما يفكران بعقلية الدولة الناهضة، ويسعيان إلى إحراز تقدم في اغلب الملفات من اجل مستقبل زاهر ومستقر في المنطقة، بعيدا عن التدخلات الخارجية والاملائات والضغوط، وهذا بحد ذاته انتصار للدبلوماسية، وقد جاء توقيع الاتفاق في وقت تعيش المنطقة ازمات وتحديات جيوسياسية واقتصادية كبيرة تستدعي من الجميع العمل على انهاء جميع اشكال التوتر والاحتقان والخلافات مع جميع دول المنطقة والسعي الحثيث لتحقيق الامن والاستقرار.
رعاية بكين للاتفاق بين الدولتين يعزز موقفها في المنطقة ويصب في مصلحتها، ويشكل خطوة جريئة لملئ الفراغات من خلال تغيير بعض الاعدادات في المنطقة والذي لم تنجح اميركا في استثماره، على المستويات السياسية والاقتصادية المتعلقة بالأهمية الاستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط، وبالتحديد ما يتعلق بأمن الممرات البحرية وقيمتها الاقتصادية العالمية، ودخولها للشرق بشكل أوسع واسرع.
(شكرا لمن يعي السياسة، ويعمل لبلده، فليتعلم الجاهل مما صنع العاقل فيصنع النصر)