الانسان ومواكبة الاحداث
يعيش الانسان في دوائر متعددة تحيط به، لا يمكنه التنصل عنها والخروج منها، ولها تأثير كبير على حياته وتفكيره وسلوكه، وكيفية تعاطيه معها، ومن تلك الدوائر، نفسه وبيئته ومجتمعه وعالمه والشيطان والدنيا وقبل هذا وذاك الله سبحانه، فضلا عن بعده الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والامني والثقافي و…، وكل هذه الدوائر والابعاد التي تحيط به، تريد منه كما هو يريد منها، والمهم في المقام ماذا يريد هو منها؟
الإنسان هو الاهم في معادلة الوجود، فحري به أن يكون على مستوى المسؤولية وتحمل اعباء المهمة الكبرى التي انيطت به، ليحقق حاكمية السماء الممنوحة له، (حتى لا يكون همه علفه)، وعليه ان يعي (انه ليس جرما صغيرا ولكن فيه انطوى العالم الاكبر، وهو الكتاب المبين الذي بأحرفه يظهر المضمر)، نعيش اليوم في عصر التكنولوجيا واتساع دائرة الاعلام والانترنت، مع ما فيه من الغث والسمين، فامتزج السليم بالسقيم، وتشابكت المفاهيم واختلطت الافكار، فوقع البعض فريسة التظليل، وفقد مستقبله وحياته، فضل وتاه في زوبعة التظليل والتزييف، مما يستدعي من الجميع مراجعة شاملة وسريعة، لكل ما يطرح في الاعلام وغيره من طرق التواصل، ومحاكمتها وفق رؤية علمية دقيقة، نابعة من خبرة وحقانية بشرط الرجوع إلى المعارف الحقة من خلال أهل الخبرة والاختصاص الثقات المخلصين، لتبيين الحقائق وكشف الزيف وازاحة الظلام أمام الناس.
علينا ان نقف على الاحداث وحجمها، وخطورتها قدر المستطاع، بمختلف المجالات لأننا جزء منها، نعم المطلوب المعرفة بشكل اجمالي، بحيث لا يقع الانسان فريسة التظليل والشعارات الكاذبة، وأن لا يكون اداة طيعة بيد الاعداء، يحركونه لمصالحهم.
من لم يذهب إلى المعلومة ويطلع عليها، ويقف على الحقائق، فان التظليل والتحريف سوف يأتيه، ويقع في المحذور، فيفقد هويته، وتسقط قيمه، ويتخلى عن ابسط حقوقه، وهذا ما يريده الطغاة، فكان لزاماً عليه، أن يعي حجم المشكلة، ويحدد اين يكون، وفي أي قسم هو، يقول الإمام علي (ع) : (الناس ثلاثة: فعالم ربـّاني، ومتعلـّم على سبيل نجاة، وهمج رعاع: أتباع كلّ ناعق، يميلون مع كلّ ريح، لم يستضيؤوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق).
ما يحدث اليوم من استغلال واستغفال للشعوب من خلال الاعلام المزيف والمنحرف، هو نتيجة الجهل والتخلف التي تعيشه الامم، حرب اليوم ليست الرصاصة والدبابة، بل الكلمة والصورة والفكرة، انه الاعلام الذي حرك الشعوب واسقط الحكومات، وبدل القوانين وغير الافكار، انه يأتيك بلا استئذان، يحمل بين طياته الأفكار والمفاهيم المغلوطة المغلفة بعلب كارتونية مزينة، والتي تعشش في العقل الإنساني، ثم تنطلق لتغيير السلوك التنظيمي، المتعلق بضبط المسير والاتباع، فتتحكم بمصير الشعوب، حتى اصبحت التفاهة ثقافة والبذائة فن.
على الانسان الاطلاع والمتابعة والتقييم والتحليل وجمع المعلومات، وربط الاحداث ومجرياتها، وان يسأل أهل الخبرة ممن يثق بهم، وينبغي أن تكون هناك محددات وأولويات عنده من خلال البصيرة، والتي تؤهله ليدرك السليم من السقيم، ليتجنب الاسقاطات السلبية والتفكير المشتت، لكي لا يضيع في زحمة الاعلام والافكار، عن الامام الحسن (عليه السلام):عَـجِبْتُ لِمَنْ يَتَفَكَّـرُ في مَـأْكُولِهِ كَيْـفَ لا يَتَفَـكَّـرُ في مَعْـقُـولِهِ، فَيُجَنِّبُ بَطْنَهُ ما يُؤْذيهِ، وَ يُودِعُ صَدْرَهُ ما يُرْدِيهِ)، وأن يكون على حذر، ويتجنب السقوط في مهوى المهالك، وينقذ نفسه واهله من شراك التضليل، وعليه مراجعة حساباته ويدققها في كل حين، وقبل فوات الاوان.