التحفيز القاتل
بقلم/نورهان علي
كثيراً ما يُنظر إلى المقارنة على أنها نوع من التحفيز وشحن الطاقة ..
يقول الأب لابنه لما لا تكُن مثل صديقك متفوق دراسياً ومهذب أخلاقياً.
وتقول الأم لابنتها لم لا تكونين مثل بنات خالاتك في جمالهن واهتمامهن بأنفسهن وبيوتهن وأيضا متفوقات دراسياً .
ويقول الزوج لزوجتة لم لا تكونين مثل أمي وشقيقتي في مهارتهن في الطبخ ومعاملتهن معي .
وتقول الزوجة لزوجها لم لا نذهب سوياً في عطلة في الخارج مثل صديقاتي مع أزواجهن.
في كل موقف في حياتنا نقارن فيه حياتنا بحياة الأخرين لدرجة أننا ننسى أحياناً هل هذه هي إحتياجاتنا فعلاً أم أنها من باب المقارنة حتى لا اُصبح أقل ممن حولي.
إن وجود وسائل التواصل الإجتماعي يفتح أعيننا تدريجياً على حياة الآخرين ويفقدنا الاستمتاع بحياتنا ويصبح باباً للحسد والكراهية وعدم الرضا عن الحياة.
وإذا سألت الشخص الذي يُقارن لما تفعل هذا لما لا تسعى لتطوير حياتك أو ابنائك أو زوجتك دون المشابهة بالآخرين.
سيكون الرد هو أنني أحاول تحفيز أبنائي ليصبحوا متفوقون دراسياً ، أو أحاول أن أجعل زوجتي أفضل في مهارات الطبخ ، أو أسعى لجعل زوجي يعمل أكثر ويوفر المزيد من مصادر الدخل لنحيا برفاهية ، وغيرها من المبررات التي تندرج تحت بند التحفيز.
أقارن لأحفز الطرف الآخر على النهوض والتطوير وأن يصبح أفضل في المستقبل كما أنني أخلق له مثلاً أعلى ليقتدي به ويسير على خطاه.
في الحقيقة ما هي إلا مبررات نختلقها لنعطي أسباباً وهمية لأهمية المقارنة كما أنها تجعلنا ندمر الطرف الآخر دون أن نشعر.
لأنك عندما تقارنه بغيره معنى ذلك أنك تخبره أنه غير كافي بالنسبة لك وحتى لا سبيل لإصلاح ذلك إلا عندما يكون مثل هذا الشخص المُقارن به وهذا يزيد من الضغط عليه كما أنك تضعف من عزيمته.
فتدريجياً يفقد الثقة بنفسه ويصبح غير قادر على الوصول لأهدافه أو حتى يصبح مثل المثل الأعلى الذي رسمته له ثم يبدأ في مرحلة كرهك أنت شخصياً .
كل هذا لأننا توهمنا أننا عند المقارنة بالآخرين سيكون وسيلة للتحفيز والتشجيع وماهو إلا تدمير بالبطئ وله تداعيات نفسية مستقبلية على الفرد تصل به إلى الإكتئاب وعدم الثقة بالنفس .
كما أنك من الممكن أن تستخدم هذه الطريقة مع نفسك دون أن تشعر ظناً منك أنك تحفز نفسك لتصبح أفضل
فعندما تقارن نفسك بالآخرين على المستوى الشخصي في علاقاتهم أو المهني في نفس مجالك ، ولكن تكمُن المشكلة في أنهم يكونون قاطعين طرقاً كثيرة لكنك لاترى إلا ماهم عليه الآن .
هنا ستكون المقارنة غير عادلة لأنه لا سبيل لمقارنة كم السنين والخبرات التي حصلوا عليها مقارنة بك وإنك حتى وإن كنت خبيراً في مجالك فيستمر الإنسان في التعلم طوال حياته ، وفي هذه الحالة ستهدم نفسك بنفسك وستقلل من عزيمتك وستتوهم أنه لا سبيل لك إلا أن تصبح مثلهم مع أن كل ما عليك هو أن تتعلم من خبراتهم لتسير بطريقتك أنت.
ليس عليك أن تكون نسخه من أحد حتى تصل للنجاح فهذا ما تفعله بنا المقارنة
تجعلنا فاقدي الثقة بأنفسنا غير قادرين على إيجاد طريقنا الخاص .. بل تجعلنا نسخة ثانية من الأفراد المُقارن بهم
قد تكون نيتك حسنة أثناء المقارنة
لكن بعد الآن بعد ما علمنا خطورة المقارنة وتأثيرها على حياتنا لابد ألا نتمسك بقول أنها من وسائل التحفيز .
فإذا أردت أن تحفز الآخرين فلا تقارنهم بغيرهم و ابني ثقة الشخص بنفسه اولاً ثم إجعله دائم التطلع إلي الأفضل ، ولكن احذر أن تبني شخص غير قنوع لا يرضى بشئ فهناك فارق عظيم بين الطموح وعدم القناعة ..
وأخيراً
إذا أردت المقارنة فقارن نفسك بنفسك أمس لا بالآخرين.
ضع أهدافاً واضحه وقم بقياس مدى تقدمك تجاه الهدف.
لكن احذر المقارنة مع من حولك فإنها التحفيز القاتل.